فلسطين – في مثل هذا اليوم قبل 20 عاما سحلت جرافة عسكرية إسرائيلية الناشطة الأمريكية راشيل كوري، حين وقفت أمامها في محاولة لمنعها من هدم بيت فلسطيني في مدينة رفح بقطاع غزة.
راشيل حين سحقتها الجرافة الإسرائيلية العسكرية جيئة وذهابا كانت في 23 ربيعا. شابة بوجه طفولي. جريمتها أنها تلفحت بالكوفية ووقفت مع الحق الفلسطيني الذي تتجاهله بلادها بإصرار لا يخضع لأي منطق.
كان كل ذنب الشابة الأمريكية التي تخلت، من أجل العدالة والقيم النبيلة، عن راحتها ورفاهيتها في الولايات المتحددة، أنها تجرأت ودافعت بطريقة سلمية تماما عن بيت بجنوب قطاع غزة كان يأوي أسرة فلسطينية قرر الإسرائيليون تسويته بالأرض.
في ذلك اليوم كانت راشيل صحبة ثمانية متطوعين أمريكيين وبريطانيين يحاولون بأجسادهم وقف “البلدوزر” الإسرائيلي من الوصول إلى جدران منزل.
لم تكن راشيل بكوفيتها الفلسطينية وسترتها البرتقالية طارئة على المشهد، وكان الإسرائيلون يعرفونها جيدا.. لم تقتلها رصاصة إسرائيلية انطلقت من بعيد كما جرى في جنين عام 2022 للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، بل زحفت إليها جرافة في وقت الظهيرة وسحقتها، حطمت رئتيها وكسرت أضلاعها ومزقت أحشاءها.
تقول تفاصيل نقلت عن شهود عيان إن راشيل كوري في اللحظات التي سبقت مقتلها كانت “تقف في طريق الجرافة كما فعل النشطاء الآخرون طوال اليوم. عندما دفع السائق آلته إلى الأمام.. صعدت راشيل على كومة من التراب حتى تكون مرئية بوضوح فيما استمر السائق في التقدم. عندما سقطت على الأرض، غمرتها الأوساخ، لكن السائق تحرك عدة أقدام إلى الأمام قبل أن يتراجع، ما أدى إلى سحقها مرتين”.
موقع “إنترسيبت” المتخصص يعلق على ذلك متحدثا عن سائق الجرافة الإسرائيلية العسكرية بقوله: “إن احتمال عدم رؤيته لها، كما ادعى لاحقا، يتحدى كل مصداقية. ومع ذلك، لم تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن مقتلها، وفيما رفضت الحكومة الأمريكية نتائج التحقيق الإسرائيلي، إلا أنها لم تفعل شيئًا لضمان عدم تكرار مثل هذا القتل مرة أخرى”.
في تلك القضية المأساوية لم تحصل واشنطن من تل أبيت على ما يحفظ ماء الوجه، عدا وعد من رئيس الوزراء الإسرائيل في ذلك الوقت أرييل شارون بإجراء تحقيق شامل موثوق وشفاف.
التحقيق الإسرائيلي “الشفاف” توصل إلى أن مقتل كوري دهسا بجرافة عسكرية إسرائيلية مجرد “حادث”، في حين ذهب تحقيق أجراه الجيش الإسرائيلي أبعد من ذلك بنفيه أي مسؤولية للقوات الإسرائيلية، مشددا على أن سائق الجرافة لم ير الناشطة الأمريكية التي كانت أمامه، وخلص التقرير إلى أن “راشيل كوري لم تصطدم بمركبة هندسية بل اصطدمت بجسم صلب، على الأرجح لوح خرساني تم تحريكه أو انزلاقه حين تم تحريك كومة الأرض التي كانت تقف خلفها”.
زيادة على كل ذلك، اتهم المحققون الإسرائيليون الضحية راشيل كوري والنشطاء الآخرين المنتمين إلى حركة التضامن الدولية بأنهم تصرفوا بشكل “غير قانوني وغير مسؤول وخطير”.
والدا راشيل رفعا دعوى مدنية ضد إسرائيل في عام 2005، شددا فيها على أن ابنتهما “إما أنها قُتلت عمدًا أو أن الجنود أظهروا إهمالا جنائيا”.
رفضت محكمة إسرائيلية الدعوى التي طالب فيها والدا راشيل بتعويض قدره “دولار امريكي واحد” في قرار صدر عام 2012، قضى بعدم مسؤولية الحكومة الإسرائيلية عن مقتلها.
مقتل راشيل كوري المأساوي والمجاني كان بمثابة مرآة عكست بجلاء منطق القوة الغاشمة والاستهانة بالأرواح والحصانة المطلقة التي تتوارى خلفها إسرائيل بطريقة أصبحت تقليدية بما في ذلك ما يمس أقرب حلفائها وداعميها ورعاتها الولايات المتحدة.
راشيل بوجهها الملائكي وعمرها الغض كانت تدرك حجم ما يجري من المأساة. كتبت في إحدى المناسبات في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى والدتها تقول: “إنني أشهد هذه الإبادة الجماعية المزمنة والخبيثة وأنا خائفة حقا، وأتساءل عن إيماني الأساسي بصلاح الطبيعة البشرية. يجب أن يتوقف هذا الأمر. أنا أعتقد أنها فكرة جيدة لنا جميعًا أن نتخلى عن كل شيء وأن نكرس حياتنا لجعله يتوقف… الشك والرعب هو ما أشعر به”.
المصدر: RT