ليبيا- سلط تقرير ميداني نشرته وكالة الأنباء الفرنسية الضوء على جهود الخبير الزراعي الرائد خليفة رمضان وزملائه لحماية الغطاء النباتي بالعاصمة طرابلس.
التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد، واكب تجمع رمضان وخبراء ومهندسين مختصين بالزراعة والبستنة في مزرعته لإنتاج أشتال أشجار مقاوِمة للجفاف، أملًا في حماية العاصمة طرابلس وطوقها من آثار القطع الجائر للغابات والزحف العمراني والجفاف المهدد للحزام الأخضر المحاذي للساحل.
ووفقًا للتقرير، أطلق رمضان ذو الـ40 عامًا من الخبرة العملية بالزراعة قبل سنوات جمعية “أصدقاء الشجرة” التطوعية غير الحكومية لحماية الغطاء النباتي وترسيخ ثقافة غرس الأشجار لمواجهة أخطار تتوسع عامًا بعد آخر، فليبيا وعاصمتها تحديدًا مهددة بمظاهر تصحر وجفاف واعتداء على حزامها الأخضر بشكل غير مسبوق.
وبين التقرير أن البلاد شهدت خلال خمسينات القرن الـ20 طفرة كبيرة ازدهرت لاحقًا بستيناته على مستوى توسع الغابات والأحزمة الخضراء، لاسيما طوق طرابلس فحزامها الأخضر الممتد بطول 200 كيلومتر بمحاذاة الساحل الغربي لمدينة مصراتة شرقًا من أبرز مساحات وقف زحف رمال الصحراء نحو العاصمة.
وأضاف التقرير: إن الفوضى والانفلات الأمني بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل القذافي تسببا في تآكل هذا الحزام الحيوي وجرف معظمه، بسبب قطع الأشجار والزحف العمراني الذي حل مكانه، ناقلًا عن الناطق باسم جهاز الشرطة الزراعية العميد فوزي أبو غالية موقفه بالخصوص.
وقال أبو غالية موضحًا وجهة نظره: “حجم الدمار الذي طال أهم غطاء نباتي في غرب ليبيا كبير فالشريط الأخضر الضخم تعرض للاعتداءات في السنوات الأخيرة فيما بلغ عدد القضايا المتعلقة بجرائم الاعتداء على هذه المنطقة 1700 قضية جنائية”.
وبحسب التقرير، تنتشر أكوام من الأشجار المقطوعة في منطقة القره بولي الواقعة على بعد 50 كيلومترًا إلى الشرق من العاصمة طرابلس إلى جانب بقايا منازل صيفية مقامة في داخل الغابات المطلة على البحر الأبيض المتوسط؛ إذ تم هدمها في الآونة الأخيرة بموجب قرارات النيابة العامة.
وتابع أبو غالية قائلًا: “تحركنا بمساندة الأجهزة الأمنية لإيقاف هذه الجريمة الأشبه بالمنظمة ولغرض استعادة الأراضي المغتصبة وفعلًا نجحنا خلال العامين المنصرمين في استرجاع أكثر من 8 آلاف هكتار منها وإعادتها لصالح وزارة الزراعة”.
وأضاف أبو غالية بالقول: “إن تآكل الغطاء النباتي في منطقة الساحل يعود إلى جملة أسباب أهمها قطع الأشجار لتحويلها إلى فحم طبيعي إلى جانب جرفها لإقامة منازل واستراحات ترفيهية بشكل غير قانوني والحملة على المخالفين نجحت إلى حد كبير، لكن الحرب لم تنتهِ”.
واختتم أبو غالية بالتأكيد على أسفه لقيام ضعاف النفوس بمواصلة مساعيهم التخريبية هذه، في وقت تقف فيه الجهات الأمنية المعنية لهم بالمرصاد لمراقبة الحزام الأخضر، رغم إمكانيتها المتواضعة مقارنة بحجم التحديات، فالتصميم متوافر للمضي في هذا الأمر.
إلى ذلك نقل التقرير عن الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية غير الحكومية تحذيراتها من خطورة ما تصفه بالتدمير الممنهج للغابات والأراضي الزراعية، في وقت يعاقب فيه القانون رقم 47 الصادر في العام 1971 المتعلق بحماية الغابات على هذه الانتهاكات ويجرم أي استغلال تجاري غير قانوني لها.
وبالعودة إلى رمضان، إذ شدد على أهمية التوعية إلى جانب حماية الغطاء النباتي بقوة القانون، فالهدف منها ترسيخ ثقافة الاهتمام بالغابات وتخفيف آثار قسوة المناخ الصحرواي من خلال غرس الأشجار لأغراض عدة أهمها تثبيت الرمال وتحسين جودة الهواء وجلب السحب الماطرة.
وأضاف رمضان: إن إزالة أو قطع شجرة يعني زيادة قسوة المناخ وجفافه وهو ما يفسره تراجع كميات الأمطار بشكل ملحوظ في السنوات الماضية فيما تطرق المزارع عبد الرحمن محمد ذو الـ65 عاما إلى الجفاف بصفته تحديًا كبيرًا إلى جانب قطع الغابات فمعدلات المياه الجوفية تراجعت بمناطق طوق العاصمة طرابلس.
وقال محمد من مزرعته البالغ عمرها 300 عام وهي من القلائل الصامدة بوجه الجفاف وزحف العمران: “بتنا نواجه خطر جفاف حقيقي، فقبل عقود قليلة كانت المياه بالعاصمة طرابلس وغرب البلاد سطحية ويمكن الحصول عليها بحفر آبار بعمق 40 إلى 60 مترًا”.
وتابع محمد بالقول: “كانت الآبار عذبة ومنخفضة الملوحة، أما اليوم فصرنا نحتاج إلى حفر ما بين 100 متر و160 مترًا للحصول على مياه كبريتية نسبة ملوحتها عالية ومخزونها ينفد سريعًا، ومعظم المناطق المحيطة في العاصمة طرابلس تواجه خطر الجفاف إلى جانب زحف العمران ما أدى لتراجع إنتاج الخضر”.
وأشار محمد إلى أن بعض المزارع جفت وتوقف ملاكها عن غرسها نتيجة شح حاد في المياه، في وقت بين فيه التقرير تميز ليبيا بتنوع الغطاء النباتي والزراعي فيها، إذ تعد أشجار الزيتون من الأكبر انتشارًا بنحو 8 ملايين شجرة في مناطق الغرب والساحل.
وأوضح التقرير أن عدد أشجار النخيل يتخطى الـ6 ملايين يتركز معظمها في وسط البلاد وجنوبها بحسب إحصاءات رسمية، إلا أنها شهدت تراجعًا ملحوظًا في السنوات القليلة الماضية نتيجة لقطع الغابات وارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدل هطول الأمطار من أكثر من 500 ملم سنويا إلى أقل من 300.
وأكد التقرير تسبب تراجع مساحة الغطاء النباتي عبر قطع الغابات في ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات الغبار وزحف الرمال في العاصمة طرابلس ما يحتم ضرورة زرع أكثر من مليون شجرة لتحسين الحياة البيئية فيها بحسب الهيئة العامة للبيئة.
ترجمة المرصد – خاص