الولايات المتحدة – قد يتعاطف البعض مع كائنات تعرض للفرجة في حديقة للحيوانات، لكن ربما لا يعرف الكثيرون أن حدائق حيوان بشرية كانت منتشرة في أوروبا والولايات المتحدة حتى منصف القرن الـ20.
مثل هذا النوع من “حدائق الحيوان البشرية”، كان شائعا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حتى القرن العشرين، وكان آخره يعمل بنشاط حتى عام 1958 في بلجيكا.
أعداد كبيرة من السكان الأصليين الذين يوصفون بأنهم بدائيون ومتوحشون وحتى أكلة للحوم البشر، بما في ذلك النساء والأطفال، من آسيا وأفريقيا وأمريكا للاتينية وألاسكا وأجزاء أخرى من العالم، تم نقلهم إلى حدائق الحيوان البشرية تلك للترفيه عن سكان الغرب “المتحضرين”.
في القرن التاسع عشر، كتب مؤسس “حديقة الحيوان البشرية” في هامبورغ بألمانيا، كارل هاغنبيك، في مذكراته متفاخرا يقول: “لقد كان شرفا لي أن أكون الأول في العالم المتحضر الذي يقدم هذه العروض من أعراق مختلفة”.
المعارض البشرية التي أقامها كارل هاغنبيك زارها ملايين السياح، وتراوح عددهم في المتوسط بين 20 إلى 34 مليون شخص سنويا. وقد جمع الرجل ثروة كبيرة من عرض السكان الأصليين من مختلف أنحاء العالم في ألمانيا و‘ظاهرهم للسياح في لبوس المتوحشين.
بعد ذلك، انتشرت حدائق حيوان بشرية في بروكسل وبرشلونة ولندن وميلانو ومدريد وكولونيا ونيويورك وبعض المدن الأوروبية والأمريكية الأخرى.
حديقة الحيوان البشرية “ريتيرو” في مدريد افتتحت في عام 1887، وكانت تعرض 43 شخصا من شعب “إيغوروت” في الفلبين، مع الماشية والنباتات الاستوائية. وبنى القائمون على الحديقة مساكن من الخيزران وبركة صغيرة للأسماك، ليشاهد الزوار كيف يعيش هؤلاء “المتوحشين” وكيف يقتاتون.
في حدائق الحيوان البشرية في دول الغرب التي كانت مزدهرة أوائل القرن 20، واجه السكان الأصليون ظروفا قاسية علاوة على مظاهر الاستعباد والاستغلال والاحتقار، فقد فرض على أفراد القبائل الأفريقية على سبيل المثال، ارتداء ملابسهم التقليدية المعدة للطقس الحار بشكل دائم حتى في درجات الحرارة المتجمدة في ديسمبر، كما اضطر أفراد من سكان القرى الفلبينية إلى أداء طقوس موسمية لأكل الكلاب مرارا وتكرارا لصدمة الجمهور، وقد أدى نقص مياه الشرب والظروف الصحية المروعة في “حدائق العار” إلى انتشار الزحار وأمراض أخرى على نطاق واسع.
الفرنسيون أيضا ساروا على خطى البريطانيين والبلجيكيين والأمريكيين والإسبان وأقاموا أيضا حديقة حيوانات بشرية مصممة لإظهار قوة إمبراطورية الاستعمارية. في حديقة “جاردان داغرونومي تروبيكال”، جرت محاكاة 6 مناطق مختلفة تصور كل منها مستعمرة محددة، مدغشقر والهند الصينية والسودان والكونغو وتونس والمغرب.
في حديقة “دريم لاند بارك” في نيويورك، كان الزوار في عام 1905 يشاهدون العروض البشرية لـ”المتوحشين”، وتظهر مجموعة من سكان الفلبين الأصليين وهم يذبحون وينزعون أحشاء كلب ثم يرمون لحمه في قدر للطهي، وكان الجمهور فرحا يستمتع بما يرى.
مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري نظمت في عام 1904 أولمبيادا لـ “العاب المتوحشين”، وشاركت في هذه “المسابقات الرياضية” حدائق الحيوان البشرية.
منظم هذه الألعاب جيمس إدوارد سولين صرّح قائلا عن الغرض من تنظيم هذا الحدث يتمثل في “إثبات أن الشعوب البدائية أضعف بكثير وأقل رياضية من الأمريكيين البيض المستنيرين”.
المعرض العالمي في باريس عام 1889 يعد أحد أشهر المعارض، وقد تردد عليه ما يصل إلى 28 مليون زائر. وكانت مشاركة 400 من السكان الأصليين في العروض عامل جذب للزوار.
آخر معرض شهير كان بعنوان” أناس من أعراق مختلفة ” وقد نظم في بروكسل. في المعرض العالمي في بروكسل عام 1958، جرى بناء قرية كونغولية بسكانها وبكامل تفاصيلها.
بحلول منتصف القرن العشرين، بلغت موضة “حدائق الحيوان البشرية” نهايتها ولم تعد تلق رواجا. السبب يرجعه بعض الخبراء إلى دخول التلفزيون على الخط بقوة ليصبح وسيلة الترفيه المهيمنة.
بعض المؤرخين الغربيين يعتقد أن مؤسسات الترفيه بعرض سكان المستعمرات الأصليين بدأت في إغلاق أبوابها ليس لأسباب إنسانية أو لاستيقاظ الضمائر فجأة، بل لأن الكساد الكبير في تلك الفترة أفقر المواطنين ولم يعد بمقدورهم زيارة مثل هذه الحدائق، ولهذا السبب اختفت.
المصدر: RT