مستقبل البرامج الفضائية في إفريقيا.. التعاون مع الصين وروسيا

إفريقيا – إفريقيا قارة ضخمة. مساحتها أكثر من 30 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة الصين والولايات المتحدة الأمريكية وكندا مجتمعة، أو 55 دولة بمساحة فرنسا.

وعدد سكانها ما يقرب من 1.5 مليار، أي 18٪ من سكان العالم.

وفقا لتوقعات بنك التنمية الإفريقي، ستكون خمس دول إفريقية من بين أسرع 10 اقتصادات نموا في العالم في الفترة 2023-2024.

وفي الوقت نفسه، ليس من المعتاد ربط إفريقيا بمجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الملاحة الفضائية. وإن أي أخبار حول إبرام عقود مع دول إفريقية، ينظر إليها على أنها مثيرة الدهشة. ومع ذلك، فإن لدى إفريقيا تاريخ طويل في استكشاف الفضاء.

المراصد والأقمار الصناعية

ظهر أول مرصد في القارة في منطقة كيب تاون بجنوب إفريقيا بأمر من الملك البريطاني جورج الرابع عام 1820. لقد أتاحت المراصد المحلية رسم خرائط لمناطق غير معروفة سابقا من الفضاء، لا يمكن رؤيتها إلا من نصف الكرة الجنوبي. بالإضافة إلى ذلك، قدمت مساهمة كبيرة في دراسة مناخ كوكبنا.

وفي الوقت نفسه، لم تتمكن إفريقيا بالطبع من الانضمام إلى سباق الفضاء في القرن العشرين. في الوقت الذي تنافس فيه الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق أول قمر صناعي، لم يكن هناك سوى تسع دول مستقلة في إفريقيا، وثلاث منها فقط من جنوب الصحراء الكبرى: غانا، وليبيريا، وإثيوبيا. وبحلول وقت إطلاق يوري غاغارين، كان هناك أكثر من 20 منها، لكن ضعف الاقتصاد ووجود مشاكل اجتماعية وسياسية لم تسمح لأي من الدول الإفريقية بتقديم برنامج فضائي جدي.

وحتى الآن، أطلقت 15 دولة في القارة ما مجموعه 59 قمرا صناعيا إلى الفضاء. صحيح أن جميع عمليات الإطلاق حتى الآن تم إجراؤها بمساعدة مشغلين من بلدان أخرى. كما تم إنتاج الأقمار الصناعية خارج الدول التي أطلقتها. ووفقا لتقرير صادر عن Space Hubs Africa، من المقرر إطلاق 125 قمرا صناعيا جديدا، بحلول عام 2025.

وأطلقت مصر أول قمر صناعي في عام 1998، وآخرها أطلقته جيبوتي في نوفمبر 2023. بالنسبة لمعظم البلدان الإفريقية، فهي في الأساس أقمار صناعية لاستشعار الأرض عن بعد، وتستخدم لرصد أراضي البلاد والتقييم المساحي، ومنع الحرائق وقطع الأشجار غير القانوني، ومسح المنطقة في حالة الكوارث الطبيعية الصناعية.

مصر تتقدم على القارة بأكملها

القوة الأكثر تطورا في مجال الفضاء في إفريقيا اليوم هي مصر. ومنذ عام 1998 وحتى الوقت الحاضر، حصلت القاهرة على 10 أقمار صناعية، و9 منها في مدار الأرض. وتضمنت هذه الأقمار خمسة أجهزة اتصالات أجنبية الصنع وثابتة بالنسبة إلى الأرض، واثنين من الأقمار الصناعية المكعبة ذات المدار المنخفض وثلاثة أقمار صناعية مصممة خصيصا لاستشعار الأرض عن بعد.

ولعبت روسيا والصين دورا رئيسيا في برنامج الفضاء المصري. وقدمت بكين للقاهرة ثلاث منح مالية يبلغ مجموعها حوالي 150 مليون دولار، وبهذه الأموال بدأ بناء مدينة الفضاء المصرية، والتي من المقرر أن تكتمل بحلول عام 2026. وسيضم 23 مبنى، منها مباني وكالة الفضاء المصرية، ووكالة الفضاء الإفريقية، ومركز المشروعات، ومحطة تجميع الأقمار الصناعية، ومركز التكامل والاختبار، ومحطة التحكم الأرضية، وأكاديمية الفضاء المصرية، ومتحف الفضاء. ومن هنا ستقوم مصر بإنشاء مركبة فضائية خاصة بها، مما يزيد تدريجيا من درجة التوطين. وفي الوقت الحالي، يجري بالفعل تطوير قمري الاستشعار عن بعد “مصر سات 3 ” و”نكسات 1″ تحت إشراف الصين.

وتقوم روسيا بإنشاء الأقمار الصناعية من سلسلة EgyptSat لمصر، وهي هذه مخصصة لاستشعار الأرض عن بعد، وتم إطلاق آخرها EgyptSat-A في عام 2019.

دولة جنوب إفريقيا هي المثال الأكثر استقلالية

تتمتع وكالة “روس كوسموس” الفضائية الروسية بخبرة في تطوير وإطلاق الأقمار الصناعية في المدار لصالح الدول الإفريقية. وتم إطلاق الأقمار الصناعية من الموانئ الفضائية الروسية للجزائر وأنغولا ومصر ونيجيريا وتونس. على سبيل المثال، تم إطلاق NigeriaSat-1 من مطار “بليسيتسك” الفضائي، وإطلاق NigeriaSat-2 من قاعدة “ياسني” الفضائية في منطقة أورينبورغ باستخدام صاروخ “دنيبر”.

والكثير من الشركات الصينية تعتبر إفريقيا نقطة مهمة لتطبيق جهودها ومواردها، ومنها شركات CAST و Shenzhen DFH HIT. وتحتل شركات الفضاء الأوروبية مكانة كبيرة في سوق إطلاق وإنشاء الأقمار الصناعية الفضائية في إفريقيا. والدور الرئيسي تلعبه شركة إيرباص الفرنسية والشركات التابعة لها Astrium وSSTL، بالإضافة إلى شركة Thales وشركة TU Berlin الألمانية.

ولعل جمهورية جنوب إفريقيا هي الوحيدة التي يمكن وصفها بأنها الأكثر استقلالية في هذا المجال، والتي لها أساس تاريخي لتطوير برنامجها الفضائي. وتمت الإشارة على وجه الخصوص إلى برنامج SUNSAT، الذي تم وضعه في عام 1992 في جامعة “ستيلينبوش” في 23 فبراير 1999، تم إطلاق أول قمر صناعي من طراز “سانسات”، من الميناء الفضائي في قاعدة “فاندنبرغ” الجوية باستخدام صاروخ دلتا -2.

حتى الآن، تقوم جنوب إفريقيا بتصنيع الأقمار الصناعية الصغيرة بشكل مستقل لبرنامجها الفضائي، ولديها أيضا كوكبة تسمح لها بتغطية احتياجات خدمة الأرصاد الجوية في البلاد.

كما تتعاون جنوب إفريقيا بشكل وثيق مع روسيا. وفي عام 2023، تم افتتاح مجمع روسي إلكتروني بصري للمراقبة التشغيلية للحطام الفضائي في هذا البلد.

وبالإضافة إلى ذلك، انضمت جنوب إفريقيا في سبتمبر 2023، إلى المشروع الروسي الصيني لبناء المحطة القمرية العلمية الدولية. ومن المتوقع أن يساعد المختصون الأفارقة في تنفيذ المشاريع الهندسية في المحطة، وكذلك في تشغيلها وتدريب الكوادر العلمية.

المصدر: تاس

Shares