“حكيم لبنان”.. رحيل سليم الحص عن 95 عاما

لبنان – توفي رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سليم أحمد الحص، امس الأحد، عن عمر ناهز 95 عاما، بعد حياة مديدة تراوحت بين التدريس والسياسة ومناصب اقتصادية داخل وخارج البلاد.

ونعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في بيان، إلى اللبنانيين الحص الذي “رحل في أصعب ودق مرحلة يحتاج فيها لبنان إلى ضميره وحسه الوطني والعروبي وإلى حكمته ورصانته وحسن إدارته الشأن العام”، وفق البيان.

وتولى الحص، رئاسة الحكومة 5 مرات، وكان نائبا في البرلمان عن العاصمة بيروت لمرتين، وأعلن خروجه من العمل السياسي عام 2000.

ولد الحص، في 20 ديسمبر/ كانون الأول 1929 بمنطقة زقاق البلاط في بيروت.

وتوفي والده، وهو رضيع في عمر الـ7 أشهر، وعاش طفولته مع والدته بالقرب من جدته، في وضع اقتصادي متواضع جدا.

وفي 1941، خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، نزح مع عائلته وجدته من بيروت إلى منطقة صوفر في جبل لبنان؛ بعد أن هاجمت القوات البريطانية لبنان من جنوبه، قادمة من فلسطين، لإخراج القوات الفرنسية في لبنان.

انتسب الحص، إلى دائرة العلوم التجارية في الجامعة الأمريكية ببيروت، وتخرّج منها بتفوق عام 1952، وعمل أثناء الدراسة محاسبا في شركة “التابلاين” لنقل البترول، ثم محررا للرسائل في غرفة التجارة والصناعة.

وفي 1955، بدأ تدريس مواد المحاسبة في الجامعة، ونال درجة الماجستير في 1957.

سافر الحص إلى الولايات المتحدة في العام التالي لاستكمال دراسته في جامعة أنديانا، وحصل على درجة الدكتوراة في الاقتصاد وإدارة الأعمال عام 1961، ثم عاد إلى لبنان للتدريس في الجامعة الأمريكية.

وفي 1963، سافر إلى الكويت لتولي مهمة المستشار المالي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وكان رئيس الصندوق آنذاك جابر الأحمد، بصفته وزيرا للمال، ثم أصبح في وقت لاحق أميرا للبلاد.

وتولى الحص، في 1967 رئاسة أول لجنة للرقابة على المصارف في لبنان، وتعاون مع حاكم مصرف لبنان إلياس سركيس.

وانتُخب سركيس، في 1976 رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعد عام واحد على اندلاع أحداث الحرب الأهلية (1975-1990).

ـ رئاسة الحكومة

وكلف سركيس، في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1976، الحص، بتشكيل حكومة تكنوقراط، فشكلها من 8 وزراء، وحظيت، من مجلس النواب، بسلطات تشريعية استثنائية.

وكان أول مرسوم تشريعي يُقرّره مجلس الوزراء، برئاسة الحص، مرسوم باستحداث نظام للرقابة على الصحف.

وفي 1978، استقال الحص لإفساح المجال أمام الرئيس سركيس للإتيان بحكومة أخرى، لكن بعد مشاورات مع النواب، عاد سركيس وسمىّ الحص لتأليف الحكومة.

وأجرى الحص مشاورات مع النواب والقوى المتصارعة، ليصطدم بصعوبة تشكيل الحكومة، ويعود عن استقالة الحكومة الأولى في عهد سركيس، ويستأنف نشاطها.

وفي 1979، تفاهم الحص مع سركيس على الاستقالة، تمهيدا لقيام حكومة سياسيين، لكن أيضا بعد مشاورات مع مجلس النواب، عاد سركيس ليكلف الحص بتأليف الحكومة.

ـ استقالة الحص

استقال الحص من رئاسة الحكومة في 1980، ودوّن تفاصيل تجربته في الحكم، إلى جانب الرئيس سركيس، في كتاب بعنوان “زمن الأمل والخيبة”.

وفي 1982، اجتاحت إسرائيل العمق اللبناني وصولا إلى بيروت، بعد أن اجتاحت الجنوب في 1978، وأقام الحص في بيروت طيلة فترة الحصار.

وعقدت أطراف الصراع اللبناني مؤتمرين في جنيف ولوزان بسويسرا، واتفق المجتمعون عام 1984 على تشكيل حكومة اتحاد وطني، فُكلف رشيد كرامي بتأليفها، وتولى الحص حقيبتي التربية والعمل في الحكومة.

ـ محاولة اغتيال

في أول أيام عيد الأضحى عام 1984، تعرض الحص لمحاولة اغتيال عبر تفجير سيارة بالقرب منه أثناء توجهه إلى منزل المفتي الشيخ حسن خالد، لاصطحابه إلى صلاة العيد.

ولم يجر أي تحقيق جدّي في الحادث.

ثم تم اغتيال كرامي، بينما كان في طريقه إلى مدينة طرابلس (شمالي لبنان) مطلع يونيو/ حزيران 1987.

وعقدت قيادات إسلامية لقاء في دار الفتوى، واتفقوا على تولي الحص رئاسة الحكومة، فصدر عن رئاسة الجمهورية مرسوم بتسمية الحص رئيسا للحكومة بالوكالة.

ـ اتفاق الطائف

في مطلع 1989، جرى اتصال بين رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، والحص، واتفقا على وضع تصوّر مُشترك لحلّ الأزمة السياسية اللبنانية.

وبالفعل، عُقدت اجتماعات متتالية، وتم وضع تصور تضمّن الكثير مما جاء لاحقا في اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية، ومن ذلك منح السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء بعد أن كان منوطا بها رئيس الجمهورية.

ـ رابع حكومة

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، جرى اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب في العام نفسه رينيه معوّض، بتفجير سيارته، وسارع مجلس النواب إلى انتخاب إلياس الهراوي رئيسا للجمهورية.

وكلف الهراوي، دون إجراء مشاورات، الحص بتأليف الحكومة الأولى في عهده، واستمر رئيسا لها حتى خروجه من الحكم عام 1991.

ـ الانتخابات النيابية

في 1992، ترشح الحص للانتخابات النيابية عن بيروت، على رأس لائحة “الإنقاذ والتغيير”، وفاز في الانتخابات ليحول اللائحة إلى كتلة نيابية معارضة.

لكن في انتخابات 1996، أخفقت لائحة الحص في مواجهة لائحة “قرار بيروت”، بقيادة رئيس الحكومة حينها رفيق الحريري.

ولم ينل الحص إلا مقعده في البرلمان ومقعد لحليفه النائب السابق محمد يوسف بيضون، لينتقل إلى المعارضة، ويبدأ صراعه السياسي مع الحريري.

ـ خامس حكومة

وفي 1998، وبعد انتخاب إميل لحود، رئيسا للجمهورية، أجرى مشاورات كلّف على إثرها الحريري بتأليف الحكومة.

لكن حصل إشكال بين الحريري ولحود، فاعتذر الحريري، وأجرى لحود مشاورات انتهت إلى تكليف الحص بتأليف الحكومة.

وفي 2000، خسر الحص الانتخابات، ولم تفز لائحته بأي مقعد نيابي في مواجهة لائحة الحريري، فأعلن اعتزاله العمل السياسي.

لاحقا وخلال ربع قرن، مرَّ لبنان ولا يزال بمراحل عصيبة في الداخل والخارج، بينما غاب الحص عن أضواء السياسة، حتى رحل الأحد، مَن يحلو لكثيرين وصفه بـ”الحكيم”.

 

الأناضول

Shares