إنجلترا – كشف هربرت كيني، ضابط الإرسال في الجيش البريطاني تفاصيل مرعبة عن معسكر الموت الألماني في بيلسن خلال الحرب العالمية الثانية، وأدلى بشهادات مروعة عما شاهده هناك.
وأكد كيني، في لقاء مع الصحفي مارك هودكينسون، نُشرت تفاصيله في كتاب جديد، أنه كلف بالتحقق في ما يجري خلف أسوار أحد المواقع الألمانية، وحينما فتح بوابات المعسكر في 15 أبريل 1945، كان على وشك أن يعاني من واحدة من أعظم الصدمات التي قد يتعرض لها أي إنسان على الإطلاق، وهي الصدمة التي أخفاها لاحقا عن عائلته لمدة 40 عاما، حسب تعبيره.
وروى هربرت مشاهداته قائلا: “كان الناس يتجولون بأعين زجاجية فارغة، وكانوا نحيفين للغاية حتى أنهم بدوا وكأنهم هياكل عظمية، وبعضهم سقط ميتا أمامي مباشرة. لقد رأيت الآلاف في حالة مروعة. لقد كانوا مجرد جلد وعظام، ولم يكن هناك ذرة من اللحم في أي مكان. كان الأمر مروعا للغاية. رأيت قبرا بحجم ملعب كرة قدم، مليئا بجثث هزيلة، يبلغ ارتفاعها 8 أقدام (2.5 مترا). أي نوع من الشياطين يمكنه فعل هذا؟””.
يقول هربرت إنه سار بخطوات واسعة عبر بوابات معسكر بيلسن، حاملا معه فقط مدفعه الرشاش من طراز ستين لحمايته، في مواجهة عشرات الحراس من قوات الأمن الألمانية الخاصة في المعسكر.
ويؤكد هربرت أنه سمع عن الموقع بالصدفة بعد التحدث إلى مدني فرنسي، وأنه حصل لاحقا على دعم من الجيش البريطاني، ليجدوا أن الألمان مستعدون للاستسلام.
وقال: “لم يكن جميع السجناء يهودا، كما يُقنعنا البعض في كثير من الأحيان. كان هناك أيضا بولنديون وألمان وفرنسيون ودنماركيون وكثيرون غيرهم. قمنا بتجميع حراس قوات الأمن الخاصة ووضعناهم تحت المراقبة المسلحة”.
ويضيف: “لقد رأيتهم يتقدمون ببطء شديد دون أن يكون لديهم أي طاقة للتحرك. كان هذا المشهد وحده مروعا، لكن كان هناك ما هو أسوأ من هذه الأجساد المسكينة. لقد كانوا مجرد جلد وعظام. لقد تلاشى ما كان عبارة عن عضلات وأنسجة.. “وكانت النظرة على وجوههم سيئة أيضا، نظرة يأس في انتظار النهاية. لم تكن هذه حربا، بل كانت كابوسا. المشاهد المروعة والرائحة الكريهة”.. “حاولت أن يعطي بعض السجناء الشوكولاتة، لكني ندمت على الفور عندما تضاعف الألم لديهم لم تكن معدتهم قادرة على تحمل أي شيء، أفضل ما كان بوسعنا فعله هو صنع حساء لهم”.
ويروي هربرت أنه طلب منه ومن راكبي دراجات نارية آخرين أن يقوموا بجولة في المخيم ثم يقدموا تقريرا عما وجدوه وأنه أدرك ورفاقه على الفور الوحشية والقسوة التي ارتكبها النازيون، لكن النطاق الكامل للفظائع، 60 ألف “هيكل عظمي” و13 ألف جثة غير مدفونة، لم يتم تأكيده إلا في وقت لاحق.
وقال هربرت: “يجب أن نتذكر أن الحرب لم تنته بعد. كان لا بد من تزويد قوات الحلفاء المتقدمة بالإمدادات. وهنا في هذا المكان الرهيب، تحول عدد كبير من الأشخاص عن أداء واجباتهم الطبيعية للتعامل مع شيء يتجاوز أي شيء تم تدريبهم عليه”.
وينقل الصحفي مارك هودكينسون عن هربرت تأكيده أنه على الرغم من أن كبار القادة في بريطانيا كانوا على علم بوجود معسكرات الاعتقال منذ سنوات، إلا أن الجنود العاديين لم يكن لديهم أي فكرة عن وجود مثل هذه الأماكن.
وكان على هربرت أن يقطع مسافة 50 ميلا لتنبيه المقر الرئيسي إلى وجود معسكر بيلسن.
وعلى الرغم من الجهود البريطانية لإنقاذ السجناء الجائعين، الذين كان كثير منهم يعاني من التيفوس والزحار، فقد توفي 9000 منهم في الأسبوعين التاليين لوصول هربرت.
وكان الجنود البريطانيون قد تلقوا تعليمات بتجنب الحراس الألمان، ولكن عندما توسل السجناء للانتقام من أحد الحراس، رضخوا.
يقول هربرت: “لقد وجدت هذه الهياكل العظمية التي كانت تكافح حتى للمشي، فجأة طاقة عظيمة عندما انقضت عليه. لقد مزقت جسده إربا”.
ويؤكد هربرت أن هذه الأحداث تركت آثارها عليه، ففي سبتمبر 1945 مرض وتم نقله إلى المستشفى، وتوقف جسده عن العمل بسبب الصدمة. وأخيرا تم تسريحه لأنه غير لائق للخدمة.
وعندما عاد إلى منزله في ميدلتون، مانشستر الكبرى، تحدث إلى زوجته غريس قليلا عن محنته، ولم يخبر أحدا بما شهده وحاول العودة إلى العمل لكنه لم يستطع إكمال أسبوع كامل.
لم يحصل على أي استشارة طبية أو يسعى للحصول على مساعدة طبية لصدمته. ولكنه يقول إنه كان “رجلا مكسورا” وكان يبكي طوال اليوم في بعض الأحيان.
المصدر: The Sun