الولايات المتحدة – إن الاختلافات بين بايدن وهاريس وترامب أقل بكثير مما نظن عند سماع أنباء محاولات اغتيال ترامب أو حديث خبراء عن صراع بين مجموعات من أنصار العولمة من رجال المال والوطنيين من الصناعة.
رأينا أنه بعد عام 2020، قام بايدن بسهولة باستعارة عدد من بنود حملة ترامب الانتخابية، بما في ذلك الحرب ضد الصين، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك. في الوقت نفسه، لم يواجه ترامب أي مشكلات في تعيين ممثلين لبنك غولدمان ساكس وغيره من الهياكل، التي تعودنا اعتبارها من أنصار العولمة الأشرار، في مناصب مالية واقتصادية رئيسية. وكلا من ترامب وبايدن، فيما يخص السياسة الاقتصادية، يسيران على نفس المسار، فهم يطبعون النقود ويحاولون نقل الصناعة إلى الأراضي الأمريكية.
وحتى فيما يتعلق بالمثليين وغيرهم من المتحولين جنسيا، لا يظهر ترامب استنكارا ملحوظا بشأنهم، على الرغم من أنه لا يدفع بهذه الأجندة بكل قوته، بعكس الديمقراطيين.
فما الفارق إذن؟
يكمن الاختلاف المطلق في شيء واحد مهم فقط، ولكنه ليس الشيء الأكثر أهمية للوهلة الأولى، ألا وهو الموقف تجاه الهجرة. ولكن من الصعب أن نتصور أن هذه الحقيقة وحدها يمكن أن تسبب حربا أهلية، أليس كذلك؟
ومع ذلك، فالأمر أكثر خطورة بكثير مما يبدو.
فأزمة الهجرة ليست سوى مظهر خارجي لعملية تاريخية واسعة النطاق، عملية تغيير في الهوية العرقية لأقوى دولة في العالم، أي انهيار الولايات المتحدة الـ WASP أو White Anglo-Saxon Protestant America، أي الولايات المتحدة الأنغلوساكسونية البيضاء البروتستانتية.
في الواقع، فإن النهج الذي درسناه لمادة التاريخ في المدرسة لم يكن صحيحا ولا يعطي فهما واضحا لنمط العمليات التاريخية. فالتاريخ ليس مجموعة من السير الذاتية لزعماء أو شخصيات بارزة، وليس حتى تاريخ الدول. وإنما هو، في المقام الأول، تاريخ المجموعات العرقية أو الشعوب أيا كان المصطلح المستخدم. فالدولة المستقرة، التي لم تنشأ بالصدفة، وعاشت لعدة قرون، عادة ما تنتج عن وتمثل قشرة لمجموعة عرقية معينة، فإذا ماتت المجموعة العرقية أو وهنت، فإن الدولة أيضا تكرر مصيرها.
وكل هذا الجنون بشأن الـ LGBT (مجموعات المثليين) في الغرب يتكون من عنصرين:
الأول، وصول الحضارة الأطلسية إلى مراحلها النهائية من دورة الحياة، وهي المرحلة التي يتم فيها حل جميع المشكلات، ويصبح الشخصي أبدى من العام، ويصبح الحصول على المتعة بأي شكل وبأي ثمن أولوية أعلى من القيم الضرورية للبقاء، بل والأكثر من ذلك، أعلى من مصير الدولة.
بعد ذلك تبدأ أزمة ديموغرافية وتموت الدولة، وغالبا ما تموت أو تتفكك وتذوب المجموعة العرقية الرئيسية لهذه الدولة في المجموعات العرقية الأخرى. وقد وصفت أسباب وآليات هذه العملية بالتفصيل في مقال سابق، أعتبره أهم ما كتبت على الإطلاق.
الثاني، عندما يتجاوز عدد الأقليات عتبة معينة، يمتد التسامح تجاه الأقليات العرقية إلى أي أقليات بشكل عام، بما في ذلك الأقليات الجنسية، لأن يصبح التسامح العرقي مهما جدا لبقاء الإمبراطورية، حيث ينظر إلى تسامح بذاته باعتباره الشرط الرئيسي للحفاظ على وجود الدولة، ويتم إعادة إنتاجه بوفرة، ويصبح الأولوية الأولى، ويتم قبوله أو حتى فرضه كبديهية، دون فهم. والآلية، أو بالأحرى المبدأ، الذي سمح للمجموعات العرقية الصغيرة بالاندماج في الإمبراطورية في مرحلة توسع الدولة، يصبح ذي نتائج عكسية ومدمرة للدولة.
وبطبيعة الحال، أنا لا أدعو إلى عدم التسامح العرقي، بل أحاول فقط فهم الواقع بشكل محايد وبدون كليشيهات.
فالتسامح تجاه الأقليات العرقية يطيل السلام والحياة في الدولة لبعض الوقت، لكن قانون التطور التاريخي هو أن التغيير في المجموعة العرقية المهيمنة في دولة معينة هو عملية لا تحدث أبدا دون انهيار الدولة، حيث يعد تدمير النصب التذكارية لـ “أصحاب العبيد البيض” في الولايات المتحدة علامة على تغيّر الحضارات في الولايات المتحدة الأمريكية.
والصراع الدائر في الولايات المتحدة هو مقاومة عفوية للقوى المتبقية من الفرع الأمريكي للحضارة الأنغلوساكسونية، والتي اعترف بها ترامب ويستغلها إلى حد ما، مع مكونات عرقية جديدة تدعي إنشاء مشروعها الخاص.
إن ذلك ليس سوى مقاومة لموت الدولة، الأمر الذي لا مفر منه تماما بسبب فقدان السكان البيض في الولايات المتحدة لأغلبيتهم. وشأنها شأن مجرى التاريخ، لا تترك العمليات الديموغرافية (وعمليات الهجرة كجزء من العمليات الديموغرافية) أي خيارات أخرى. وكقاعدة عامة، بعد أن تنمو حصة الأقليات العرقية إلى نسبة معينة، تؤدي الأزمة الاقتصادية الأولى إلى انهيار الدولة.
كان الروس، عشية انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989، يشكلون 50.8% من سكان البلاد (الذين كانوا يشكلون 58.4% من السكان عام 1939). وسوف تنخفض حصة البيض في الولايات المتحدة إلى أقل من 50% في غضون عقد واحد من الزمان تقريبا، وربما قبل ذلك إذا تسارعت معدلات الهجرة. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة قد وصلت بالفعل إلى الخط القاتل، وتستمر في تجاوزه انخفاضا بشكل أكبر، ولن تؤدي أول أزمة اقتصادية خطيرة إلا إلى اشتباكات عنصرية وانهيار للبلاد.
لذلك، فإن انتخاب ترامب، أو عدم انتخابه سيان. فلا تهم شخصية الرؤساء الأمريكيين، بينما نتعامل نحن مع عملية تاريخية واسعة النطاق، ستنهار خلالها الدولة الأمريكية، وفي أحسن الأحوال، سوف تتفكك شظايا من البيض من قبل الأنغلوساكسونيين وتشكل دولة جديدة على أرض أصغر بكثير بعد حرب أهلية دامية ومريرة وطويلة الأمد، تقودها الخريطة العرقية الأمريكية التي تشبه “قماشة مرقعة”. على أية حال، فإن هذه العملية ستهوي الولايات المتحدة الحالية لفترة طويلة إلى العالم الثالث لا إلى العالم الثاني من حيث الرفاهية والتأثير على الشؤون الدولية. وعملية انهيار الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة رسم الحدود ستستغرق وقتا طويلا، ولن تنتهي بانهيار واحد فقط، بل سيكون هناك المزيد من الانهيارات، لأن الاتجاهات الديموغرافية لن تتغير في العقود المقبلة. وسوف يبدأ هذا قريبا جدا، وربما بعد الانتخابات مباشرة، ربما بعد عام أو خمسة، لكن العوامل الأساسية المؤثرة في هذه العملية موجودة بالفعل، كل ما تبقى فقط هو إضافة أزمة اقتصادية كبيرة ليغلي كل شيء.
بالمناسبة، كل شيء جاهز أيضا لمواجهة أزمة اقتصادية كبرى، وكل ما نحتاجه هو دفعة بقوة مناسبة.
مع ذلك، فإذا تأخر الانهيار الاقتصادي لمدة عام أو عامين، وإذا لم تبدأ الحرب الأهلية في الولايات المتحدة مباشرة بعد الانتخابات، فإن احتمال الصراع سيظل يتحقق من خلال اشتباكات وأزمات على نطاق أصغر، وستستمر هجرة الأمريكيين إلى الولايات المقابلة لهوياتهم، وستستمر البلاد في الانقسام حتى ينضج أحد العوامل ليكون سببا في انهيار البلاد، على الأرجح من خلال صراع مسلح.
المصدر : RT