عامان على الإبادة.. إسرائيل تدمر معالم غزة الأثرية والتاريخية

غزة – لم تقتصر الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ عامين على تدمير العمران الحديث والبنى التحتية والمنازل في قطاع غزة، بل امتدت لتطول غالبية المعالم التاريخية والآثار التي تشهد على حضارات متعاقبة عمرها آلاف السنين.

الفلسطينيون والمؤسسات الحقوقية والمعنية بالتراث ينظرون إلى هذا المشهد القاسي على أنه “محاولة لطمس الهوية الثقافية والحضارية للشعب الفلسطيني”.

لم يقف الأمر عند التدمير فقط، بل تعرضت بعض القطع الأثرية النادرة إلى السرقة من قوات الجيش الإسرائيلي، وفق ما أكده مسؤولون فلسطينيون ومقاطع فيديو نشرها الجيش الإسرائيلي.

ويعد قطاع غزة من المناطق القديمة تاريخيا، حيث تعاقبت عليه الحضارات الفرعونية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والكنعانية والفينيقية، وصولا إلى الحقبة الإسلامية التي تجلت في عهود متعددة أبرزها المملوكية والعثمانية.

تلك الحضارات خلفت إرثا عمرانيا وثقافيا متنوعا، أضافت قيمة ثقافية وتاريخية وجسدت عراقة قطاع غزة وتجذر الشعب الفلسطيني فيه.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، دمرت إسرائيل نحو 208 مواقع أثرية وتراثية من أصل 325 موقعا في القطاع، بحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي نشرها امس الأحد.

** تدمير واسع

وفي تصريح للأناضول، ذكر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، أن غالبية المواقع الأثرية كانت بمدينة غزة القديمة، التي تُعرف بـ”البلدة القديمة”، وهي مدينة أثرية تعود إلى الحضارة الفينيقية وتعود إلى نحو 1500 عام قبل الميلاد.

وتضم البلدة القديمة الأحياء الأربعة؛ الشجاعية، والزيتون، والتفاح والدرج، وهي مناطق تعرضت لقصف إسرائيلي جوي ومدفعي واسع.

ومنذ اندلاع الإبادة، تعرضت المدينة للقصف والاستهداف فيما كثف الجيش الإسرائيلي خلال الشهرين الأخيرين استهدافها وتدمير أحياء كاملة فيها مثل الزيتون والشجاعية.

** أبرز المواقع الأثرية المتضررة:

– أولا: البلدة القديمة:

المسجد العمري

يعد المسجد العمري من أكبر وأعرق مساجد غزة، وثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى في القدس، ومسجد أحمد باشا الجزار في عكا.

وتم تأسيس المسجد قبل أكثر من 1400 عام في حي الدرج وسط البلدة القديمة، ومر إنشاؤه بـ6 مراحل شهد خلالها تحولات عمرانية لافتة.

فعلى مدى قرون، تحول من معبد للوثنيين إلى كنيسة بيزنطية، ثم إلى مسجد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح فلسطين عام 636 ميلادي.

وخلال الحروب الصليبية، أعيد تحويله إلى كنيسة، ثم لمسجد في العهد المملوكي مع إضافة بعض التفاصيل المعمارية، ليخضع لتوسعات إضافية في العهد العثماني.

خلال الحرب، تعرض المسجد لتدمير شبه كامل جراء قصف إسرائيلي جرى أول توثيق له في ديسمبر/ كانون الأول 2023.

كنيسة القديس برفيريوس

هي أقدم كنيسة في غزة وثالث أقدم كنيسة في العالم، ويعود تاريخ تأسيسها للقرن الخامس الميلادي.

وتقع هذه الكنيسة في حي الزيتون، وسميت نسبة إلى القديس برفيريوس حيث تحتضن قبره.

تعرضت للاستهداف المباشر لأكثر من مرة؛ الأول كان في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ما تسبب بدمار كبير، والثاني في 19 من ذات الشهر ما تسبب بانهيار مبنى وكلاء الكنيسة بالكامل، وأدى لوقوع عدد من القتلى والجرحى من النازحين الذين تواجدوا بداخلها.

مسجد كاتب ولاية

يشترك بجدار واحد مع كنيسة برفيريوس، ويعد من المساجد الأثرية المهمة بغزة، وتٌقدر مساحته بنحو 377 مترا مربعا، ويرجع تاريخ بنائه إلى حكم الناصر محمد بن قلاوون أحد سلاطين الدولة المملوكية في ولايته الثالثة بين عامي1341 و1309 ميلادية.

تعرض لقصف مدفعي إسرائيلي في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023؛ ما أسفر عن تعرضه لأضرار.

مسجد السيد هاشم

يقع في حي الدرج شرق مدينة غزة، ويُعتقد باحتضانه قبر جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف، والذي ارتبط اسمه باسم المدينة “غزة هاشم”.

تعرض لأضرار كبيرة جراء قصف شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”

تُعتبر من مستشفيات القطاع القديمة، وتتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس حيث تم تأسيسها عام 1882 ميلادية، على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا.

وتعد واحدة من ثلاث كنائس للمسيحين بغزة، بجانب كنيسة القديس برفيريوس والكنيسة اللاتينية.

تعرضت مباني المستشفى الداخلية والكنيسة للاستهداف المباشر خلال الحرب ما خلف دمارا واسعا بها.

وارتبط اسمها خلال الحرب بمجزرة كبيرة وقعت بقصف إسرائيلي استهدف ساحتها في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023؛ ما أسفر عن مقتل نحو 500 فلسطينيا من المرضى والنازحين الذين تواجدوا بداخلها.

قصر الباشا

يقع في حي الدرج وهو أحد الشواهد العمرانية الذين تمزج بين الحضارتين المملوكية والعثمانية.

وفي عام 2010، تم تحويل الطابق السفلي من أحد مبانيه إلى متحف يجمع عددا من القطع الأثرية الفريدة التي تعود إلى الحضارات السابقة التي حكمت فلسطين.

في ديسمبر/ كانون الثاني 2023، كشفت بلدية غزة عن دمار واسع طال أجزاء من مبانيه جراء قصف إسرائيلي.

سوق القيسارية الأثري

يعود تأسيسه إلى العصر المملوكي ويعرف باسم “سوق الذهب”، وتعرض محيطه لأضرار كبيرة جراء القصف الإسرائيلي منذ بداية الحرب.

سوق الزاوية الشعبي

هو امتداد تاريخي لسوق “القيسارية”، ويقع في أحد مداخله الرئيسية الجامع العمري الكبير، وتعرضت الكثير من المحال والمباني فيه لدمار واسع جراء قصف جوي إسرائيلي خلال الحرب.

حمام السمرة

آخر الحمامات الأثرية التي تعود للعهد العثماني، اختفت معالمه تحت ركام القصف الذي استهدفه بشكل مباشر في حي الزيتون، فيما جرى أول توثيق للدمار الذي حل به في يناير/ كانون الثاني 2024.

ثانيا: مناطق أخرى

مقام الخضر في دير البلح

هو أول دير مسيحي يُبنى في فلسطين في العهد البيزنطي، ويقع في مدينة دير البلح وسط القطاع.

تعرض هذا الدير خلال الحرب لقصف إسرائيلي خلف أضرارا جزئية.

مخزن آثار غزة

مخزن يضم قطع أثرية تم تجميعها على مدار سنوات، وتعود لعصور تاريخيه مختلفة.

وثق الجيش الإسرائيلي في يناير/ كانون الثاني 2023 تدمير وسرقة مقتنيات المستودع بمقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل.

موقع ميناء الأنثيدون “البلاخية”

يقع شمال غرب مدينة غزة، ويعود تأسيسه إلى 800 عام قبل الميلاد على يد الكنعانيين. يعد من أهم المعالم الأثرية بغزة تعرض لتدمير وتجريف من الجيش الإسرائيلي خلال الحرب.

** تجريف وسرقة

لم يكتف الجيش الإسرائيلي على مدار أشهر الإبادة بقصف تلك المواقع، بل عكف على تجريف بعضها فضلا عن سرقة قطع أثرية نادرة.

وفي تصريح سابق للأناضول، قالت مديرة متحف “قصر الباشا” الأثري ناريمان خلة: “تعرضت بعض القطع الأثرية النادرة التي كانت تتربع في صدارة المتحف، للسرقة من الجيش الإسرائيلي الذي توغل بريا (في ديسمبر/ كانون الأول 2023)، في المنطقة وأحالها إلى دمار”، دون ذكر تفاصيل عن القطع المسروقة.

وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي عمد إلى تجريف أجزاء واسعة من المواقع الأثرية بشكل كامل في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية.

وخلّفت الإبادة الإسرائيلية المتواصلة 67 ألفا و139 قتيلا، و169 ألفا و583 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.

 

الأناضول

Shares