ماذا يجري بين القيادة العامة وتركيا ؟ تقرير ” جيوبوليتكال دِسك ” يحلل المشهد

تحليل “جيوبوليتيكال دِسك”: من الخصومة إلى الشراكة المحتملة… كيف أعادت تركيا هندسة مسارها في ليبيا عبر بوابة الجيش الوطني

ليبيا – نشرت منصة “جيوبوليتيكال دِسك” تحليلًا معمّقًا تناول تحوّل الموقف التركي في ليبيا من خصومة مفتوحة مع الجيش الوطني الليبي إلى تقارب تدريجي قد يتطور إلى شراكة سياسية وعسكرية مستقبلية، مستعرضًا مسار هذا التحوّل منذ حرب طرابلس عام 2020 وحتى عام 2025.

من حرب طرابلس إلى إدراك جديد للنفوذ
أوضح التحليل أن أنقرة، التي دعمت حكومة الوفاق خلال حرب طرابلس، كانت تسعى حينها لتحقيق نصر حاسم عبر دفع قوات الجيش الوطني شرقًا نحو الرجمة. غير أن دبلوماسيين ليبيين نبّهوا تركيا في ذلك الوقت إلى أن رهاناتها على الفصائل المسلحة في الغرب لن تنجح، وأن طريق النجاح يمر عبر الاستقرار الذي يمثله الشرق بقيادة الجيش الوطني.

أنقرة تكتشف أن الاستقرار في الشرق هو مفتاح النفوذ
بعد أربع سنوات، بيّن التقرير أن تركيا وجدت نفسها عالقة في فوضى الغرب الليبي، عاجزة عن إيجاد شريك موثوق، لتبدأ تدريجيًا في تحويل بوصلتها نحو الشرق. وأشار إلى أن الشركات التركية وقّعت بالفعل اتفاقيات تعاون في مجالات البناء والطاقة والتنسيق العسكري في بنغازي، وسط نقاش داخلي تركي حول إمكان احتضان “حفتر” (القائد العام للقوات المسلحة المشير حفتر)  وتوحيد السلطة على نمط الحكم المركزي.

من الخصومة إلى التقارب العملي
لفت التحليل إلى أن أنقرة والجيش الوطني انتقلا من العداء إلى مرحلة تعاون سياسي وأمني متنامٍ، مع بروز “صدام حفتر” (نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق صدام حفتر) كقناة تواصل رئيسية. ونقل عن مسؤول تركي قوله: “مع طرابلس نحن ندير الفوضى، ومع الجيش الوطني نبني دولة.”

هيمنة الجيش الوطني وبروز حفتر كخيار رئاسي
ذكر التقرير أن عام 2025 شهد صعودًا واضحًا للجيش الوطني الذي يسيطر على الشرق والجنوب ويقود قوة موحدة، مشيرًا إلى أن المشاورات تتسع بين القبائل حول خيار ترشح المشير حفتر للرئاسة، فيما تعمل القيادات في الرجمة على بناء مسار سياسي خاص بمعزل عن الأمم المتحدة.

التحالف التركي – الحفترِي: خيار ممكن
بيّن التحليل أن الجيش الوطني يوفر لتركيا شريكًا مستقرًا بخلاف سلطات الغرب المنقسمة، وأن مصالح مشتركة تجمع الطرفين في مجالات الطاقة والأمن والملاحة في المتوسط. كما لفت إلى أن تركيا ترى في حفتر قائدًا قويًا يشبه الرئيس أردوغان في نظرته للسلطة المركزية والقدرة على فرض النظام.

العقبات أمام التحالف
رغم ذلك، أوضح التقرير أن أنقرة لا تزال مترددة بسبب غياب رؤية سياسية واضحة داخل الجيش الوطني، وخشيتها من خسارة نفوذها في الغرب الليبي، مشيرًا إلى أن حفتر يزداد قوة بينما يغرق الغرب مجددًا في الفوضى.

مفترق طرق جديد
خلص التقرير إلى أن ليبيا تقف اليوم أمام مفترق طرق جديد، وأن تحالفًا تركيًّا – حفترِيًّا لم يعد مستبعدًا، في ظل فشل خارطة الأمم المتحدة واستمرار حالة الإنهاك السياسي والدبلوماسي، معتبرًا أن هذا التحالف قد يكون الخطوة الأهم لإعادة رسم مستقبل السلطة في ليبيا.

نص المقال كاملًا كما ورد في “جيوبوليتيكال ديسك”:

 

العنوان : الأسابيع الأخيرة من حرب طرابلس

 

في الأسابيع الأخيرة من حرب «الجيش الوطني الليبي»  على طرابلس عام 2020، ومع تغيّر موازين المعركة لصالح الطائرات المسيّرة التركية وبدء قوات حفتر بالانسحاب، أجرى دبلوماسي تركي اتصالًا بأحد كبار السياسيين الليبيين.

 

شرح الدبلوماسي خطة أنقرة للمرحلة التالية:

دفع قوات الجيش الوطني شرقًا، مساعدة حكومة الوفاق الوطني  على السيطرة على مقر حفتر في الرجمة، وإنهاء الحرب بانتصار حاسم.

لكن السياسي الليبي حذّر من أن أنقرة أساءت فهم الملف الليبي تمامًا، وبيّن له ثلاث نقاط:

1.تركيا لا تملك حلفاء حقيقيين في ليبيا. فالقوى المتمركزة في طرابلس ليست شركاء دائمين، بل فصائل مسلّحة متفرقة وغير منسقة، يجمعها فقط عدو مشترك. وبمجرد زوال خطر حفتر، ستعود للاقتتال فيما بينها.

2.القوى الإقليمية ستمنع أيّ تقدّم تركي شرقًا. فمصر ودول أخرى استثمرت كثيرًا في استقرار الشرق ولن تسمح بعودة الفوضى إليه.

3.حفتر «سيفوز حتى لو خسر». فليبيا ستُعاد ضبطها: الغرب سيغرق في الفوضى، والشرق سيبقى مستقرًّا، وفي النهاية سيعود المجتمع الدولي لطلب حفتر لإعادة النظام.

قال السياسي الليبي حينها:“الطريق الوحيد أمام تركيا للنجاح في ليبيا هو عبر حفتر نفسه.”

 

بعد أربع سنوات: الدائرة تكتمل

 

بعد مرور نحو أربع سنوات، تجد تركيا نفسها مرهقة من فوضى الغرب الليبي، تحاول إطفاء الحرائق في طرابلس بلا توقف، وتعجز عن إيجاد شريك سياسي موثوق، لتدرك تدريجيًا أن مصالحها طويلة الأمد تكمن في الشرق.

اليوم، أكثر علاقات أنقرة فاعلية هي مع الجيش الوطني الليبي ذاته، إذ بدأت الشركات التركية توقّع اتفاقيات في مجالات البناء والطاقة وحتى التعاون العسكري في بنغازي.

وفي أروقة الخارجية والاستخبارات التركية يدور نقاش جدي: هل تستمر أنقرة في إدارة الوضع غير المستقر بطرابلس؟

أم تتخذ خطوة جريئة وتحتضن حفتر وتُهندِس توحيدًا للسلطة على النمط السوري، حيث يحكم رجل واحد البلاد ضمن إطار تعاون براغماتي؟

 

من أعداء إلى شركاء مثاليين

بعد أن كانوا أعداءً لدودين، يشهد الطرفان اليوم تقاربًا غير متوقع.

المسؤولون الأتراك يصفون تعاملهم مع الجيش الوطني بأنه «منعش»: اجتماعات مثمرة، نقاشات مهنية، وعلاقات مبنية على التنبؤ والاستقرار — عكس فوضى طرابلس المستمرة.

أحد المسؤولين في أنقرة قال بصراحة:“مع طرابلس، نحن ندير الفوضى. مع الجيش الوطني، نبني دولة.”

في الأشهر الأخيرة، تعمّقت العلاقات بين شخصيات تركية رفيعة وقادة في الجيش الوطني، وبرز صدام حفتر، نجل المشير وخليفته المحتمل، كقناة التواصل الأساسية.

أبدت أنقرة إعجابها بقدرة الجيش الوطني على إدارة شؤونه دون إشراف خارجي، واقترحت حتى تقنين التعاون عبر البرلمان، بل حثّت الجيش ومجلس النواب على المصادقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة عام 2019. وكان رد الجيش الوطني بسيطًا: “وما الفائدة لنا؟”

 

لحظة حفتر الرئاسية

مع اقتراب عام 2025 من نهايته، يهيمن الجيش الوطني الليبي على المشهدين السياسي والأمني.يسيطر على الشرق والجنوب، ويدير قوة عسكرية موحدة، ووسّع نشاطه ليشمل التنمية — من طرق وملاعب وجامعات تُرمَّم في مدن منسية.

تغيّر الجيش جذريًا: تم تهميش القادة القدامى، وترقية ضباط جدد، وترسيخ الولاء حول عائلة حفتر. لأول مرة، لا يواجه حفتر أي منافس جدي، سياسيًا أو عسكريًا.

وفي الرجمة، لم تعد النقاشات عن البقاء بل عن الخلافة والرئاسة.رسالة حفتر إلى الزعامات القبلية واضحة: “انسوا مسار الأمم المتحدة ، دعونا نبني مسارنا الخاص.”

والعمل جارٍ على ذلك: من الشرق إلى الجنوب فالوسط، تتسع المشاورات بين القبائل بهدف تحقيق إجماع محلي شامل قبل أن يسلّم المجتمع الدولي بالأمر الواقع — وهو أن حفتر الحاكم الفعلي لليبيا.

 

مأزق أنقرة

في المقابل، تواجه تركيا خيارًا حاسمًا.فعلى الورق، تمتلك نفوذًا في الغرب الليبي: تسيطر على الأجواء، وتحتفظ بقاعدتين عسكريتين، ولها مقعد في كل مفاوضات.

لكن الواقع هش: قادة طرابلس بلا شرعية، والمؤسسات فارغة، والوضع الأمني قد ينهار في أي لحظة.

أما الجيش الوطني، فيقدّم لأنقرة شريكًا مستقرًا وإمكانية تعاون استراتيجي حقيقي، ليس فقط داخل ليبيا، بل عبر المتوسط ومنطقة الساحل أيضًا.

مستشارو أردوغان يدركون ذلك، كما أن قيادة الجيش الوطني تُعجب بأسلوب الرئيس التركي الحازم وتراه شريكًا «يُنفّذ ولا يُجادل»، إذ يشترك الطرفان في الإيمان بالسلطة المركزية القوية وكره الشلل السياسي المستمر.

قال أحد المراقبين الليبيين لمجلتنا: “حفتر وأردوغان من طينة واحدة، خصمان تعيسان، لكن شريكان طبيعيان.”

 

لماذا قد يحدث ذلك فعلاً

في المنطقة، قليل من الأطراف قد يعارض ليبيا يقودها حفتر.فالإمارات ومصر وفرنسا وإيطاليا — وحتى قطر — ترى في رجل واحد يفرض النظام ويحمي المصالح الاقتصادية خيارًا مغريًا.

لكن القرار النهائي بيد أنقرة. فإن غيّرت تركيا موقفها، سيتبعها الآخرون.

أما واشنطن في عهد ترامب 2.0، فغالبًا لن تعارض إجماعًا تدعمه حلفاؤها الإقليميون.

حفتر يملك النفط والأموال والسلاح.وتركيا تملك السماء والوصول إلى طرابلس والقنوات الدبلوماسية.معًا، قد يحقّقان «ليبيا الواحدة» التي طالما بشّر بها المجتمع الدولي ولم يحققها أبدًا.

 

العقبة

ومع ذلك، ليست رئاسة حفتر مضمونة.تتردد تركيا بسبب عاملين رئيسيين:

1.الغموض السياسي داخل الجيش الوطني. فعلى الرغم من كفاءته العسكرية، يفتقر إلى رؤية سياسية واضحة أو واجهة مدنية. قال أحد الدبلوماسيين الغربيين:“اطلب منهم خطة خمسية، وسيقولون إنهم لا يحتاجون واحدة.”

2.خوف أنقرة من التورّط المفرط. ففي سوريا، تدخّلت تركيا دون أن تخسر شيئًا. أما في ليبيا، فلديها الكثير لتخسره: أصول وقواعد وعقود ونفوذ في طرابلس، وأي خطأ قد يهددها جميعًا.

من جانبها، ترى معسكرات حفتر أن الوقت في صالحها، فموقع الجيش الوطني يزداد قوة يومًا بعد يوم، بينما الغرب الليبي يغرق مجددًا في دوامة الفساد والفوضى.

 

الطريق إلى الأمام

ليبيا تقف مجددًا عند مفترق طرق.خارطة الأمم المتحدة متعثرة، ووقف إطلاق النار هش، والتعب يخيّم على كل بيان دبلوماسي.

وفي هذا الفراغ، يرى حفتر فرصة، وترى تركيا ورقة ضغط. سواء كان ذلك بدافع الحسابات الاستراتيجية أو الظروف المفروضة، فإن تحالفًا تركيًّا–حفترِيًّا لم يعد أمرًا مستبعدًا

Shares