عقيلة صالح: البرلمان لن يُقر أي اتفاقية بحرية إلا عبر قنواته والمرحلة المقبلة تفاهمات لا صدامات
ليبيا – طرح رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح رؤية حول مستقبل ترسيم الحدود البحرية لليبيا في شرق المتوسط، مؤكدًا أن البرلمان لن يُقر أي اتفاقية ما لم تمر عبر قنواته القانونية والدستورية، وأن الاتفاقية التي وقعتها حكومة فايز السراج لم تُعرض على مجلس النواب لأن حكومة السراج لم تنل ثقة السلطة التشريعية، وذلك في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء الليبية “وال”.
نص المقابلة
س/ فخامة الرئيس… لنبدأ من السؤال الأكثر تداولًا: لماذا ما زالت الاتفاقية البحرية بين السراج وتركيا تُعدّ باطلة من وجهة نظر البرلمان؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
لأن حكومة السراج لم تكن تمثل الشعب الليبي ولم تكن تعبّر عن إرادته لأنها لم تنل ثقة مجلس النواب. ولأن الاتفاقيات الدولية لا تُبرم إلا بواسطة حكومة قائمة على الشرعية ومعتمدة من مجلس النواب، وهذه قاعدة دستورية لا يمكن تجاوزها. حكومة السراج لم تكن معتمدة، وبالتالي لم تكن تملك أهلية التوقيع على معاهدة دولية بهذا الحجم. الاتفاقية لم تُعرض على البرلمان ولم يُصادق عليها، وهذا وحده يسقط عنها أي أثر قانوني. ما يُبنى على باطل يبقى باطلًا، سواء طال الزمن أو قصر. المجتمع الدولي يعرف هذا جيدًا، حتى وإن حاول البعض تصوير الأمر بشكل مختلف.
س/ كيف تقيّمون ردود الفعل الدولية على هذا الملف منذ توقيعه حتى اليوم؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
ردود الفعل تنقسم إلى نوعين: دول تدرك أن الاتفاقية غير شرعية، ودول تتعامل معها كأمر واقع لأسباب سياسية. لكن الحقيقة أن أي اتفاقية لا تمر عبر البرلمان لا تُلزم الدولة الليبية. الدول تتغير والحكومات تتغير، لكن الشرعية الدستورية ثابتة. اليونان مثلًا تعاملت بحدة في البداية لأنها رأت أن الاتفاق يضر بمصالحها، واليوم هي تبدي استعدادًا للحوار. مصر منذ البداية كان موقفها واضحًا ومتينًا، وأكدت أن الاتفاق لا يحقق استقرار المنطقة. وتركيا نفسها قالت إنها مستعدة للدخول في تفاوض شامل مع ليبيا. إذن العالم يتحرك نحو الحوار، وهذا ما نريده. أنا شخصيًا لست ضد الاتفاق مع تركيا، لكن الأمر يتطلب دراسته عبر خبراء يقدمونه للحكومة الشرعية، ثم هذه الحكومة تحيله لمجلس النواب للإقرار، وهذا لا يتأتى إلا بعد حصرنا لحدودنا وضمان عدم الاعتداء عليها من أية دولة كانت من دول الجوار.
س/ ذكرتم أن اليونان تبني مواقفها على جزيرة صغيرة قريبة من السواحل الليبية… هل يمكن توضيح هذه النقطة؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
اليونانيون يعتبرون جزيرة كريت جزءًا من معيار تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهذا يعطيهم امتدادًا بحريًا غير منطقي. هذه الجزيرة قريبة جدًا من سواحل ليبيا، ولا يمكن أن تمنح اليونان مساحات بحرية واسعة على حسابنا. القانون الدولي لا يدعم مثل هذه التوسعات. ولذلك يجب أن تُعاد دراسة المسافة، ومسار الترسيم من شواطئ اليونان الأصيلة لا جزرها، وحقوق كل دولة وفق المعايير المعترف بها دوليًا. هذا الملف تقني للغاية، ولا يمكن اختزاله في التصريحات السياسية التي تغازل المعارضة في تلك الدول. لقد كلّفنا لجنة خبراء لمراجعته بدقة، ونتوقع منهم تقريرًا يغطي كل الجوانب الفنية والجيوسياسية مع كل الدول المعنية.
س/ بماذا أخبرتم الجانب اليوناني؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
أخبرت الجميع أن أي اتفاق يجب أن يكون عبر الحكومة الشرعية وهي المنبثقة عن مجلس النواب، وعلى الدول المعنية الجلوس معها على طاولة المفاوضات، لتقديم أي اتفاقية في شكلها النهائي إلى مجلس النواب للمصادقة عليها وفقًا للسياق الدستوري.
س/ ما تقييمكم للأثر السياسي للاتفاقية على ليبيا خلال السنوات الماضية؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
للأسف، الاتفاقية خلقت ارتباكًا داخليًا وأزمة إقليمية. أصبحت ليبيا جزءًا من صراع بين دول المتوسط دون أن تكون لها رؤية موحدة، لأن الاتفاق وُقّع دون مؤسسات الدولة ودون مشاركة الجهات المختصة. نحن اليوم نصلح آثار هذا الخطأ، وماضون في خلق اتفاق مع الدول يضمن مصالح ليبيا. في الوقت نفسه، يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة. ليبيا تملك موقعًا استراتيجيًا يجعلها شريكًا مهمًا في أي ترتيبات بحرية مستقبلية، بشرط أن نتحدث بصوت واحد ونفاوض وفق مصالح وطنية لا مصالح شخصية.
س/ هناك من يعتقد أن ليبيا باتت مضطرة للاختيار بين محورين… محور مصر – اليونان، أو محور تركيا. ما تعليقك؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
ليبيا ليست طرفًا تابعًا لأحد. نحن دولة مستقلة ولنا علاقات مع الجميع، لكننا لا نقبل أن نكون أداة في تنافس إقليمي. مصلحتنا هي الأساس، وأي تفاوض يجب أن ينطلق من موقع الدولة ذات السيادة، لا من موقع الاصطفاف. الحوار مع مصر مهم لأنها دولة جوار وشريك أساسي في الأمن الإقليمي. واليونان دولة متوسطية لها مصالح مباشرة. وتركيا دولة لها وزن وحضور تاريخي في المنطقة. لكن ليبيا ليست ملزمة بانحياز كامل لأي طرف. نحن نبحث عن توازن يحمي حقوقنا ويضمن علاقات مستقرة مع الجميع.
س/ ما هي حدود التنازلات الممكنة بالنسبة لليبيا؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
لا يوجد شيء اسمه تنازلات عندما يتعلق الأمر بالسيادة. السيادة خط أحمر. قد تكون هناك ترتيبات فنية، تعديلات بروتوكولية، تنسيق مع الدول، هذا ممكن. لكن التفريط في حدود ليبيا البحرية… هذا غير وارد ولا ممكن ولا نقاش فيه.
س/ ما طبيعة الحوار الذي تتوقعونه مع الدول الثلاث المعنية؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
أتوقع حوارًا مباشرًا وشفافًا، يجلس فيه الفنيون قبل السياسيين. نحتاج خرائط، بيانات، دراسات جيولوجية وبحرية دقيقة. الحوار سيكون بثلاثة مستويات: مستوى فني تقوده اللجان المختصة لترسيم حدودنا كاملة. مستوى قانوني لدراسة الاتفاقيات والمعايير الدولية. مستوى سياسي لضمان مصالح الدول وتوازناتها. إذا تم هذا بشكل صحيح، سنصل إلى اتفاق عادل وطويل المدى.
س/ وكيف تتعاملون مع التوتر الداخلي حول هذا الملف؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
التوتر يأتي من نقص المعلومات وليس من جوهر القضية. لذلك نحن نعتمد الشفافية. أي اتفاق، أي ورقة، أي بند، سيُعرض على مجلس النواب، وسيناقشه ممثلو الشعب بشكل علني. لا توجد أسرار ولا صفقات وراء الستار. هذا ملف وطني كبير ويجب أن تُشارك فيه كل مؤسسات الدولة.
س/ ما الرسالة التي توجهونها لليبيين؟
ج/ المستشار عقيلة صالح:
أطمئن كل الليبيين أننا لن نقبل إلا بما يحمي بلادنا. القرارات تُتخذ بالعقل وبالعلم وبالمصلحة الوطنية، وليس بالعاطفة. ليبيا اليوم أمام فرصة لإعادة بناء سياستها البحرية في المتوسط، والبرلمان سيكون الدرع الذي يحمي حقوق الشعب تشريعيًا.

