تقرير بريطاني يسخر من احتفال حكومة الدبيبة بمكافحة الفساد: “إجراءات شكلية” وواقع متجذر

تقرير بريطاني يسخر من احتفال حكومة الدبيبة بـ”اليوم العالمي لمكافحة الفساد” ويصف الجهود بـ”الشكلية”

ليبيا – سخر تقرير تحليلي من احتفال حكومة الدبيبة في الـ9 من ديسمبر الجاري بـ”اليوم العالمي لمكافحة الفساد” بحفل رفيع المستوى احتضنته العاصمة طرابلس، رغم تصنيف ليبيا ضمن أكثر الدول فساداً من الناحيتين المالية والإدارية، بحسب ما نشرته مجلة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية وتابعته وترجمت أهم ما ورد فيه صحيفة المرصد.

احتفالية “معدة بعناية” وطابع احتفالي يتقدم على النقد الذاتي
وذكر التقرير أن الفعالية غلب عليها طابع الاحتفال أكثر من النقد الذاتي، وحضرها عبد الحميد الدبيبة إلى جانب كبار مسؤولي حكومته، وشهدت عرضاً قدمته المؤسسات المعنية تضمّن سلسلة مبادرات جرى تصويرها على أنها خطوات نحو مزيد من الشفافية والمساءلة.

منصة “رقيب”.. نوايا إصلاحية متناقضة مع واقع الفساد المتجذر
وبحسب التقرير، كان من بين ما قُدّم في الاحتفالية تدشين هيئة الرقابة الإدارية منصة “رقيب” الرقمية لمراقبة الأداء الحكومي وتلقي شكاوى الفساد، واعتبر أن ذلك ظهر كعرض لنوايا إصلاحية “متناقض تماماً” مع واقع لا يزال فيه الفساد متجذراً، بما قاد إلى تآكل مستمر في ثقة الجمهور في الهيئات الرقابية.

مؤسسات مكافحة الفساد كثيرة.. و”لا إنجاز يذكر”
وأوضح التقرير أن ليبيا لا تعاني من نقص في المؤسسات المكلفة بمكافحة الفساد، مشيراً إلى وجود هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومكتب النائب العام والهيئة العليا للرقابة المالية ووحدات الرقابة الداخلية في الوزارات. وأضاف أن هذه المؤسسات توظف مئات الموظفين وتستنزف مبالغ طائلة من المال العام، مع تداخل الاختصاصات وإثارة الشكوك حول الاستقلالية وصعوبة قياس الفاعلية، لينتهي إلى أن حكومة الدبيبة “لم تقدم أي إنجاز يذكر”.

قطاع عام “مكتظ ومجزأ”.. والمرتبات 55% من الميزانية
وتابع التقرير أن ما تحقق لا يتجاوز “إضافة جديدة” إلى قطاع عام مكتظ ومجزأ ويعاني خللاً وظيفياً عميقاً، مبيناً أن فاتورة المرتبات في 2024 بلغت 67 ملياراً و600 مليون دينار، أي ما يقارب 55% من إجمالي ميزانية الدولة وفقاً للمصرف المركزي.

تدهور المؤشرات الدولية: ليبيا 173 من 180 و13 نقطة فقط
وأكد التقرير أن تحديات الفساد تتفاقم بدلاً من أن تتحسن رغم الحملات الإعلامية ووجود هيئات متعددة، مشيراً إلى أن مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية” وضع ليبيا في المرتبة 173 من أصل 180 دولة. وأضاف أن ليبيا سجلت 13 نقطة فقط من أصل 100، وأن ذلك يمثل تراجعاً مقارنة بعام 2023 حين جاءت في المرتبة 170، بما يبرز محدودية أثر الإصلاحات المؤسسية على أرض الواقع، وفق التقرير.

منظمات مستقلة: تغيير طفيف وجهود “رمزية”
ووفقاً للتقرير، أكدت منظمات غير حكومية مستقلة هذا التقييم، معتبرة أن الفساد لا يزال عائقاً كبيراً أمام الحوكمة والاستثمار وثقة الجمهور، وأن تعدد الهيئات ومنصات الإبلاغ الرقمية لم يُحدث سوى تغيير طفيف في الديناميكيات الراسخة، لتبقى جهود الإصلاح “رمزية” إلى حد كبير.

بلاغات أسبوعية للنائب العام.. وتشكيك بسبب بطء التحقيق وندرة الإدانة
وبحسب التقرير، يتم إبلاغ مكتب النائب العام أسبوعياً تقريباً عن قضية جديدة تتعلق بالسرقة أو اختلاس أموال الدولة عبر المصارف أو الجهات الحكومية أو الإنفاق المهدر أو الفساد المباشر، وغالباً ما تكون مبالغها هائلة، وتلقى ترحيباً عاماً في وسائل التواصل الاجتماعي. لكنه أشار إلى أن كثيرين ما زالوا متشككين، مع اعتقاد بأن التحقيقات تطول والإدانات نادرة، وأن النفوذ السياسي يحمي المتورطين، وأن كبار المسؤولين يفلتون عادة من العقاب، بما يرسخ الفساد في الثقافة الإدارية والمالية للبلاد.

عائدات النفط ترسخ نظاماً “مجزأ ورمزياً”
وأضاف التقرير أن هذا الترسيخ مدفوع بعائدات النفط، ليبقى النظام مجزأ ورمزياً إلى حد كبير، ويكافح لتحويل الشفافية إلى إصلاح حقيقي رغم كثرة الهيئات والمنصات الرقمية.

عيب “رقيب” الأبرز: لا إخفاء للهوية والرقم الوطني شرط للتبليغ
وتابع التقرير أن منصة “رقيب” تعاني أوجه قصور جوهرية تحد من فعاليتها، أبرزها عدم إمكانية إخفاء الهوية، إذ يتعين على من يرغب في تقديم شكوى إدخال معلومات شخصية مفصلة، بما في ذلك الرقم الوطني، وهو ما “يسهم في ثني المبلغين المحتملين عن الإبلاغ بدلاً من تشجيعهم”، في ظل ضعف إنفاذ القانون وانعدام حماية الشهود عملياً.

“لفتة رمزية” تبقي القضايا الخطيرة دون إبلاغ
وبحسب التقرير، فإن هذه الثغرات تُبقي القضايا الخطيرة دون إبلاغ، وتُبقي الفساد الممنهج دون رادع، ومع غياب ضمانات قوية ورقابة مستقلة وآليات حماية موثوقة تصبح المنصة “مجرد لفتة رمزية لا أداة فعالة للمساءلة”.

الفساد يصل إلى الرقم الوطني وجوازات السفر
وأشار التقرير إلى امتداد الفساد إلى مجالات كانت تُعد بالغة الحساسية، ومنها إصدار بطاقات الرقم الوطني وجوازات السفر بوصفها أنظمة أساسية للهوية القانونية والحصول على الخدمات، لافتاً إلى أن عمليات التزوير سمحت لأفراد أجانب بالحصول على مزايا حكومية مخصصة للمواطنين.

تهديد مباشر لأمن المواطنين والاستقرار الاجتماعي والنشاط الاقتصادي
وأضاف التقرير أن هذا يوضح كيف يؤثر الفساد مباشرة على سبل العيش والحق في الحقوق الأساسية، وأن وصوله إلى هذه الأنظمة يمثل “فشلاً سياسياً” وتهديداً مباشراً لأمن المواطنين والاستقرار الاجتماعي والنشاط الاقتصادي، بما يجعل عواقبه ملموسة في الحياة اليومية.

السيولة النقدية وشبكات تواطؤ وتآكل الثقة بالمصارف
وبحسب التقرير، برز اعتقاد بأن الشح المتكرر في السيولة النقدية بالمصارف كل بضع سنوات مرتبطة بالفساد وسوء الإدارة. وأضاف أن ذلك يعكس وجود شبكات تواطؤ أعمق بين تجار السوق السوداء والمصرف المركزي، بما يؤدي إلى تآكل الثقة في النظام المصرفي، ويفضل معه كثيرون الاحتفاظ بأموالهم في بيوتهم، مشيراً إلى أن المصارف تحولت أيضاً إلى هدف متكرر لتحقيقات النائب العام خلال 2025.

ضعف إنفاذ القانون والتدخل السياسي.. والفساد “يزدهر”
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن عوامل التشرذم المؤسسي والتدخل السياسي وضعف إنفاذ القانون تسمح للفساد بالازدهار على جميع المستويات، لتبقى جهود مكافحة الفساد “مجرد إجراءات شكلية” في ظل غياب الإنفاذ الفعال والإصلاح الهيكلي، بما يعرض ثقة الجمهور والحوكمة والاستقرار الاجتماعي للخطر.

ترجمة المرصد – خاص

May be an image of one or more people, suit and dais

May be an image of dais and text

Shares