(مهمة غسان سلامة في ليبيا أساسها/ أبعادها/تطورها/ ونتائجها).
ملخص الدراسة التي أعدتها الأستاذة عزة كامل المقهور والتي ستنشر تباعا على جزئين.
منذ عام 2013 بدا واضحا الصعوبات والإخفاقات التي يعاني منها الجسم المنتخب الجديد، ومن واقع قرارات مجلس الأمن الدولي، بدا واضحا ظهور حالة استقطاب وانقسام سياسي جلي، وواجهت عملية التحول الديمقراطي الوطنية أزمات ومختنقات كثيرة بالإضافة إلى تغول المجموعات المسلحة واعاقتها للمسار السياسي ولعملية التحول الديمقراطي.
ورغم محاولة المؤتمر الوطني العام الدفع قدما بعملية التحول الديمقراطي، من خلال مسار تأخر في المضي فيه وهو انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور والتي هي ذاتها واجهت مصاعب واخفاقا، إلا أن المؤتمر في ذات الوقت تبنى مسارا دستوريا يمكن وصفه بمسار “الانقاذ” السريع بتشكيل لجنة فبراير لوضع تعديلات على الإعلان الدستوري الذي بانت مواطن ضعفه خاصة في مسألة بنيان السلطة التنفيذية والتي تبنت تعديلاً على السلطات وإعادة التوازن ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وذلك باستحداث منصب رئيس منتخب للبلاد بما يكفل هذا التوازن، وتجديد العملية الديمقراطية من خلال انتخابات تشريعية جديدة.
لكن بعض القوى والتيارات في المؤتمر الوطني العام أعاقت وعطلت تبني مقترح فبراير، وتعاملت مع هذه اللجنة – التي هي لجنة دستورية منشأة بتعديل دستوري وحل وسيط ما بين الفرقاء المنقسمين– وكأنها لجنة عادية تخضع مخرجاتها لتعديل من المؤتمر ذاته، وكان على المؤتمر إن كانت له من ملاحظات إعادة إحالة المخرجات للجنة فبراير وليس العبث بها كما حدث.
وبهذا يمكن القول أن عملية التحول الديمقراطي أصابها وهنا بينا يمكن معه القول أنها تعطلت خاصة بعد صدور حكم المحكمة العليا في نوفمبر 2014 بعدم دستورية بند من بنود المادة 30 للإعلان الدستوري، وأثار الحكم جدلا واسعا وتفسيرات متعددة، إضافة إلى تزامن ذلك مع تغول المجموعات المسلحة في البلاد.
في أواخر العام 2014، حدث تدخلا مباشرا آخر للأمم المتحدة ببدء عملية حوار ما يعرف باتفاق الصخيرات والذي انعقدت أغلب جلساته في مدينة الصخيرات المغربية، وأسفر في ديسمبر 2015 عن التوقيع على اتفاق الصخيرات. لكن هذا الاتفاق استبعد قوة عسكرية في شرق البلاد من خلال نص المادة (8) من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي الليبي الذي أثار حفيظة مجلس النواب، مما أدى إلى إقراره مبدئيا من مجلس النواب الليبي مع التحفظ على بعض بنوده، لكنه لم يضمن في الإعلان الدستوري ولم يصدر به تعديل دستوري فظل خارج إطار التشريع الوطني.
وهكذا كان الإنقسام الثاني ليس انقساماً داخليا وطنيا كما هو حال الإنقسام السياسي الأول بل انقسام ما بين مسارين هما المسار الوطني الليبي ( الإعلان الدستوري) والمسار الدولي المستحدث (اتفاق الصخيرات)، لتقع ليبيا ومؤسساتها واداراتها بين هذين المسارين، الذين في الحقيقة زادا من شقة الانقسام في ليبيا ليتحول إلى انشطارعلى مستويات متعددة منها الوطني ومنها (الوطني/ الدولي).
وبهذا دخلت ليبيا في نفق آخر هذه المرة وازدادت حدة التدخل الأجنبي في البلاد تحت شعار المجتمع الدولي أحيانا، وتحت شعار المبادرات الفردية الدولية في أحيان أخرى.
لكن خطة العمل – المسار الدولي- هذه التي كانت في البداية تقوم على ثلاث مراحل متصلة، فشلت في المرحلتين الأولى والثانية، ليصرح السيد سلامة لاحقا أن خطته ليست متسلسلة ولا مترابطة وانه يمكن الذهاب مباشرة إلى المرحلة الثالثة وهي ما سماها ” مرحلة المؤتمر الوطني الجامع”.
وهكذا تحول مسار الخطة وخضع للتعديل، وكلفت البعثة مركز الحوار الإنساني ومقره جنيف بإجراء لقاءات سميت بالملتقى الوطني الليبي، الذي قدم تقريره النهائي تحت مسمى (المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي) المؤرخ في نوفمبر 2018.
وتأسيساً على هذا قام السيد غسان سلامة بالإعلان في احاطته أمام مجلس الأمن في 20 مارس الجاري عن عزمه انعقاد المؤتمر الوطني الجامع في مدينة غدامس الليبية بتاريخ 14– 16 أبريل المقبل. وفي تغريدة له على حسابه في التويتر أفاد بأن لائحة المدعوين للمؤتمر الوطني الجامع ” هناك لائحة واحدة صحيحة لاغير وهي بحوزتي. والمشاركون يبلغون تباعاً من قبل البعثة. أما العبث فمآله سلة المهملات”.
وعليه، فإنه من البين، ولم يعد يفصل الليبيين عن موعد انعقاد المؤتمر الجامع سوى إسبوعان، أن المسار اليوم لمستقبل ليبيا والليبيين هو في يد الأمم المتحدة من خلال بعثتها التي ستختار المدعوين وستعد جدول الأعمال لرسم خريطة ليبيا المقبلة ومستقبلها.
تستعرض هذه الدراسة من خلال قرارات مجلس الأمن حول ليبيا كيف تحولت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والممثل الخاص الأمين العام ورئيسها من بعثة للوساطة والمساعدة وتقديم المشورة والدعم الفني لليبيين في مرحلة التحول الديمقراطي في مجالات محددة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2009 لسنة 2011، وذلك بناء على طلب من الحكومة الليبية آنذاك، إلى بعثة تمسك بزمام الأمور وتحدد المدعوين وتضع جدول الأعمال للمؤتمر القادم دون أن تكون مسؤولة عن أية اخفاقات أو نتائج سلبية قد تترتب على هذا المسار الدولي الخالص، الذي لا مكان فيه “للملكية الوطنية” ولا “للقيادة الليبية” كما تردد قرارات مجلس الأمن الدولي منذ 2011 حتى 2019 رغم التغيير الجذري في تعاملها مع الملف الليبي.
1. إن هناك حاجة ماسة للتنسيق ما بين المسار الوطني والمسار الدولي بشكل جدي حتى لا تتكرر تجربة اتفاق الصخيرات التي وضعت لبنة الإنقسام ما بين المسارين،ووضع حد لهذا الإنقسام فيما بينهما والذي سيزيد من الحالة الليبية تعقيدا وتفاقما، فالبلاد لم تعد تحتمل اخفاقا آخر بأيادي دولية ناهيك عن الاخفاقات الوطنية التي سبقته.
2. إن المؤتمر القادم الذي هو في معية البعثة الأممية وفي أدراج مكاتبها يجب أن يكون لقاءا أوليا وبداية لعمل جاد بين الليبيين وخبراء البعثة وليس نهاية لطريق غامض ترسمه البعثة لليبيين يحتمل الفشل أكثر من النجاح.
3. إن الخطأ الذي قد تقع فيه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هو وضع المسار الدولي في مواجهة المسار الوطني وهو ما قد يغرق البلاد في فوضى إدارية وتشريعية وقضائية، الأمر الذي قد يخلق نفوراً ليبياً منها وشعوراً بأنها سبب في معاناتهم.
عليه لا مناص من دمج المسارين أو التقارب والتعاون فيما بينهما.
4. أنه على البعثة أن تعود للقواعد الراسخة في عمل الأمم المتحدة من شفافية، ومشاركة وشمولية.
5. أن تفكر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في وضع برتوكول واضح لمهامها في ليبيا وهي مهام متفرقة في قرارات مجلس الأمن (2011-2019) وأن تقوم بتحديدها، كما أن عليها أن تضع أسسا واضحة تكفل “الملكية الوطنية” و”القيادة الليبية” و”المشاركة والشفاقية والشمولية” وأن لا يقتصر عملها على بعض من النخبالسياسية التي وصفها السيد سلامة بالفساد، لأن النخب الفاسدة لن يجالسها الليبيون.
6. على البعثة الأممية في ليبيا إن استمرت في مسارها الدولي بمعزل عن المسار الوطني فإن عليها أن تتحمل كامل المسؤولية عن ذلك، إذ أن ما عهدناه أن لا تعقيب ولا مسؤولية على أعمال الأمم المتحدة وبعثاتها وقادة هذه البعثات في رسم وتخطيط مسار الدول ومستقبلها.
وفي الختام، أتمنى على البعثة الأممية في ليبيا أن تعيد بوصلتها إلى الحياد، فليس كل وليد لها من اتفاقها السياسي هو طفل مدلل، فلليبيون أطفال وأجيال من حقهم المشاركة في صناعة مستقبلهم ومستقبل بلادهم.
محامية
29 مارس 2019