يرى السيد سلامة في عدة مقابلات تلفزيوينة أُجريت معه بأن ليبيا تشظت ويكرر هذا المفهوم بدرجة من الثقة بالتشخيص تطرح العديد من التساؤلات وكأنّي به يقول { لا تلوموني فهذا شعب تشظى } ومن ذلك قوله في لقائه الأخير مثلاً أن العراق ولبنان اللتان بالرغم من أنهما تضمان أقليات و مذاهب غير أنهما انقسمتا لكن ليبيا بالرغم من كون غالبية سكانها على مذهب واحد والاقليات فيها نسبتها بسيطة فقد تشظت ! .
وبين الإنقسام و التشظي سنحاول فهم ما لم يقله السيد سلامة فالسؤال المشروع هنا كيف يبرر السيد غسان إنقسام مجتمعات متعددة الاثنيات والاعراق و المذاهب وتشظي مجتمع موحد المذهب تقريباً قليل الاقليات ؟ .
لم يمنحنا السيد سلامة مبررات توصيفه هذا. فساتشهد بأمثلة لا ترقى لإثبات نظرته التي تقود فهمه للحالة الليبية ولم يمنّ علينا بتحليل للاسباب وبتشخيص منطقي يرتقي إلى أدلة مقنعة تهبنا منطقا مقبولاً لفكرة التشظي التي يصر عليها ، فالواقع من وجهة نظري مغاير لما تراه عين سلامة ، فلماذا تصر هذا العين على رؤية تشظينا ولا ترتقي به حتى لمستوى الإنقسام ! .
كما لا أدري أيضاً فيما اذا كان هذا محاولة من السيد سلامة لتبرير عجزه وإنهيار الأمور في حقبته أم أنها إبرة جيدة مخدرة للضمير يلقى من خلالها المأساة التي نعيشها على عاتق تشظينا لا على قصور أو عدم رغبته رؤية ما يجري وقد يكون ذلك تماشياً مع سياسات دول كبرى طلبت من عين سلامة أن لا ترى إلا تشظينا أو ربما هي نتاج نظرة سلبية لنا كليبيين جعلته يرى السبب في التركيبة الاجتماعية و الهوياتية وربما الحضارية والتي وفقها تصبح مأساة لبنان والعراق أفضل حال منّا بالرغم من أن الارض تنطق والواقع يدحض هذا التشظي الذي لا يرتقي لحالة الإنقسام في عين السيد سلامة .
فنحن يا سيد سلامة ترى بأننا منقسمون بين أنصار الجيش ومشروع إسترجاع الدولة وخصومها فتجد من أنصار فبراير وأنصار القذافي وأنصار الفدرالية وبرقاويين و فزازنة وطرابلسيين في خندق واحد ضد من ينتمون لمشروع خارجي إستولى على مصير الوطن وتمت شرعنته لإستلابها كما أن هناك فهم يتمحور حول الجيش من قبل أغلبية الليبيين وهناك سيطرة على غالبية الارض وتوحيد للكثير من السلاح ومشاهد حسم تبرق من مشارف طرابلس .
ونذكرك أيضاً يا سيد بأن العائق الوحيد في الحقيقة لما سبق هو الخارج وتدخلاته وقد عمى عين العالم الداعم لإستمرار الفوضى من خلال شرعنة سراجهم ومن يحميه من ” مافيا ” بالاضافة لشلل عنصرية تم إنتقائها لتكون يده في اللادولة التي يرونها أساس في كيفية التعامل مع ليبيا .
نحن لا نعيش النعيم يا سيد سلامة لكننا لا نتشظى ، نعم منقسمون وأمامنا تحديات عظام لكننا نحمد الله على عدم إنقسامنا لأعراق و مذاهب وسنخرج من هذه الحقبة القاسية من تاريخنا باذن الله أقوياء وسنسترجع وطننا الذي لعب به هذا العالم المنفلت من القيم وغير الراغب برؤية الحقيقة و بحاجة لعين أخرى .
وهنا أستحضر مقولة فرنسية شهيرة تقول { لا يوجد هناك إنسان أكثر صمماً ممن لا يريد أن يسمع } وأضيف بأن لا وجود لإنسان أكثر عمى ممن لا يريد أن يرى الارض تنطق ، والحسم قريب والليبيون بإمكانك أن ترتقي بهم لحالة الانقسام دون حرج لكن الشاعر يقول { عين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا } .
عبدالحكيم فنوش
8 يونيو 2019