ليبيا – نشر المفتي المعزول من مجلس النواب الصادق الغرياني ، الموالي حالياً للمجلس الرئاسي مقالاً عبر موقع دار الإفتاء تحت عنوان ” حوار مع ناقم ” إستنكر فيه تعبير البعض عن نقمتهم تجاه الوضع دون التمييز بين ” الخير والشر ” .
وقال الغرياني في مقاله أن الناقم على الوضعِ، وهو ليس واحداً بعينه وإنّما هو نوع من فئات متعددة تمثل شريحة لا بأس بها؛ منهم عامة، وتجار، وطلاب علم بل أساتذة جامعات واستشاريون ونخب، تشابه أفراد هذه الشريحة بحسب وصفه في رؤيتهم وتطابقوا، حتى إنه إذا ما تكلَّم أحد مع أي منهم فيما تمر به البلاد من نزاع وأزمات وعن أسبابها لكان الجواب نفسه، وكأنهم شخص واحد ، وذلك بحسب قوله .
يستنكر الغرياني في مقاله على المواطن الناقم أنه لا يرى فرقا بين الأطراف المتخاصمة في ليبيا، ولا يُفاضل بينها، فهي في رُدود فعله سواء كلها ضجيج، يصم أذنيه عنها، وينأَى بنفسه عن سماعها، فلا فرق لديه بين من قال أنه يريد رد ليبيا إلى الفكر الجماهيري والنظرية العالمية، ومشانق الجامعة، ومجزرة أبو سليم، وإنكار السنة، والاستخفاف بالعقول في إشارة منه للنظام السابق .
كما يتهم الغرياني في مقاله المواطن الناقم بعدم التفرقة بين من قال أنه كان كذلك ( النظام السابق ) وبين من قاموا عليه وثاروا ( الثوار ) لكرامة إنسان ( المواطن ) يُسام سوء العذاب، ويساق على مدَى عقود، كما تساق الدواب ولا بين من إتهمه المفتي المعزول بأنه يحمل اليوم مشروعاً دوليا للهيمنة على ليبيا ولإقامة حكم عسكري دموي بقوةِ السلاح؛ لخدمة المشروع الدولي الصهيوني الذي وصفه بـ ” المعادي للشعوب المتطلعة لاسترداد كرامتها والذي يجري التحضير لاستكماله مع حفتر هذه الأيام ” .
وأضاف : ” هذا المشروع دولي تدك فيه طرابلس بمشاركة المجتمع الدولي ومباركته، كما دُمّرت من قبلها بنغازي ودرنة، الكل فِي نَظَرِ (المواطن النَّاقم) سواء ، المعتدي الصائل، ومن يرده عن الحرمات والديار ” .
وتابع ؛ ” هم سواء، فلا يحب النَّاقم على الأوضاع – لما أصابه من الحرمان ونكد الزمان – أن يسمع لأحد، ولا أن يقف مع طَرف، فهو من الجميع على مسافة واحدة، ليستريح من (دَوْشَةٍ) ليسَ وراءَها طائل في نظره، وعندما تسمع منه رأيه الذي ذكرتُ، أشعَرَكَ بالصرامة فيه، واعتزازه به، وأنّه فكر ناضج متميز، متفوق فيه على غيره، لنأيه بنفسه ووقته عمَّا لا طائل تحته ” .
وأكد المفتي المعزول أن السؤال الذي على كل ذي عاقل أن يتأمله ويسأله هو : ” هل الرفض لكل الموجود، والعزوف عن الواقع في البلد – وهو واقع مأساوي مرير مؤلم، لا يستثني من الاكتواء بناره أحدًا – هو فعلًا موقف إيجابي ناضج متميز؟
وهل من التزمه ليستريح – كما قال – قد استراح فعلا، وانحلت لهُ به الأزمات التي يعيشُها غيره؛ أزمة الأمن، والكهرباء، والوقود، والطرقِ، والصرف الصحي، والتلوث، والبيئة والقمامة، والمواصلات، والعلاج والدواء، والغلاء، والماء، والسيُولة، وتعليم أولاده، والفساد المالي، والمؤسسي والإداري، وغير ذلك كثير؟ أمْ أنّه غارق فيها وفي غيرها، يجرُ ذيولها كما يجر غيره، وتكتم أنفاسه كما تكتم أنفاس غيره؟ وهل الهروب من الواقع عمل تحمد عاقبته، ويخلي صاحبه مِن التّبعات الشرعية والأخلاقية، بل الوطنية والحضارية ؟ ” .
وإعتبر الغرياني أن الهروب من الواقع عمل سلبي يفتح الباب على مصراعيه للفساد، ويعين من أسماهم ” أعداء الأمة عليها، ويتركها فريسة ونهبا للذئاب كما يفعل بليبياالآن ” مشيراً ألى أن عاقبة ذلك ليست إلا الهوان، وتفاقم الأزمات، وقلة الناصح وغياب الرأي الراشد، وتقليل سواد أهل الحق وتكثير الباطل .
وإستطرد بالقول : ” هل الوقوف على مسافة واحدة تُسوي بين من يدعو إلى العدل والقيم والدّينِ والحكم الرشيد، وبين من يكره ذلك كلّه، ويريد أن يحل محلّه مشروعًا دوليًّا، معروف من سيرة القائمين به أنه لا يقيم دينًا، ولا يبني وطنًا – هل التسوية بين هذا وذاك، وبين من يتكلم بلسان واحد من يومه الأول، وبين من غير جلده عشر مرات، عدلٌ وإنصاف ؟! ” .
ونوّه الغرياني أيضاً بأن ” الهروب من الواقع في هذه الحالة والترك والإعراض عما يجري، ليس حيادًا شرعًا، بل انحياز إلى السوء وفساد، قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ لا يُكلّمُهُم اللهُ ولا ينظرُ إليهِم ولا يُزكّيهمْ، ولهم عذابٌ أليمٌ، وذكرَ منهمْ: (رجلًا على قارعةِ الطريقِ معهُ ماءٌ، منعَ منه ابنَ السبيلِ)، قال أهل العلم: هو بتركِ الغَوثِ لمَنْ طلَبَ الماءَ، وبالتخلِّي عنهُ حتّى ماتَ، عُدّ قاتلًا، مع أنه في الظاهر لم يقتل، فَدَلّ هذا الحديثُ الشريف على أن من يتخلّى عن أمرٍ هو قادرٌ عليه، وينأى بنفسه عنه طلبًا للراحة، ويصيب الأمة بسبب تركه بلاء، فإن عليه تبعته، بل وضمانه، جناية كان أو مالًا ” .
وختم بالقول : ” أين النّاقم مِن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! التي هي أصلٌ مِن أصول الدّين، بل هي فريضةٌ حتى على من كان قبلنا من الأديان، قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، وليس وراءَ عدمِ الرضَا بالمنكرِ ولو بالقلبِ مثقالُ حَبّةِ خردَلٍ مِن إيمانٍ ، لذا؛ فإنّي أشفِقُ على كل ناقم يسوي بين الأطراف في ليبيا، ولا يُنكر منكرا ولا يعرف معروفا! ” .
المرصد – متابعات