مركز كارنيغي للشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيغي الأمريكية للسلام الدولي و هو مركز يوفّر تحليلات معمّقة حول القضايا السياسية، والاجتماعية-الاقتصادية، والأمنية التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصانعي القرار والجهات المعنية الرئيسة بناءاً على تحليلاته التى تستند على كبار الخبراء في الشؤون الإقليمية، ويعمل بالتعاون مع مراكز الأبحاث الأخرى التابعة لكارنيغي في بكين وبروكسل وموسكو ونيو دلهي وواشنطن و قد نشر دراسة معمقة حول الجذور السياسية و الأيدولجية لتنظيم داعش الإرهابي و ستقوم المرصد تباعاً بإعادة نشر أهم ما جاء فى هذه الدراسة على شكل أجزاء متسلسلة .
تطرقت دراسة كارنيغي فى ما يتعلق بعلماء الجهاد فى تنظيم الدولة الإسلامية إلى تيار مرتبط به يسمى تيار الصحوة و قالت ان تركي البنعلي، من البحرين يحتل المركز الثاني بعد أبو علي الأنباري من حيث التأثير في تنظيم الدولة الإسلامية من داخله. ووفقاً لسيرته المنشورة على الإنترنت، البنعلي هو تلميذ سلمان العودة، الشخصية البارزة في تيار الصحوة في المملكة العربية السعودية. يدّعي البنعلي أن علاقة وثيقة كانت تجمعه بسلمان العودة قبل أن يبدأ الأخير بـ”التراجع”، أو يصبح أكثر اعتدالاً.
وقد ارتبط البنعلي بحجّاج العجمي، وهو رجل دين كويتي سلفي ناشط ومعروف بأنشطته في جمع التبرعات للجماعات الأصولية المتمرّدة في سورية. كما تأثّر البنعلي بعبد العزيز الطريفي، وهو رجل دين سعودي معروف من جيل الصحوة، اعتقلته السلطات السعودية في /أبريل 2016 بسبب انتقاده إصلاحات الرياض الدينية المدفوعة من الغرب على مايبدو. ويواصل البنعلي التحدّث بصورة إيجابية عن الطريفي ويمتدح كتاباته.
و تتابع الدراسة بأن البنعلي و قبل أن يسافر إلى سورية في العام 2013 للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، كان قد اكتسب صدقيّة بإعتباره مفتياً جهادياً من خلال إقامة علاقة وثيقة مع أربعة عشر من رجال الدين المعروفين في المنطقة. في العام 2009، أذن المقدسي له بالتدريس والإفتاء، وهذا ما فعله في منتديات جهادية بارزة تحت الاسم الحركي أبو همام الأثري. يسلّط أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الضوء على تعاليم وفتاوى البنعلي للتصدّي لمحاولات رجال الدين الآخرين، بمن فيهم المقدسي، التقليل من أهمية ثقله الديني.
و على الرغم من ضعف البنعلي في مجال العلوم الدينية بحسب كارنيغي، مقارنةً مع بعض رجال الدين، إلا أن أنشطته الجهادية المبكرة تساعد تنظيم الدولة الإسلامية على الادّعاء بأنه جزءٌ من طابور طويل من الفقه الجهادي وهذا مايجعل البنعلي مفيداً للتنظيم كي يدافع عن نفسه في وجه مزاعم الفصائل الجهادية الأخرى بأن إيديولوجيته ليست عميقة الجذور بالقدر الكافي في الأمور الفقهية وقد أشار أحد رجال الدين في الدولة الإسلامية إلى أن قبول مرجعية البنعلي قبل حصوله على العضوية في التنظيم هي إما شهادة على صدقيّة التنظيم أو دليل على افتقار منتقدي القاعدة في صفوفه للصدقيّة، نظراً إلى أنهم وافقوا على مؤهّلاته في السابق.
تصدّر البنعلي عملية بناء شرعية أبو بكر البغدادي. وباعتباره كان منتسباً إلى تنظيم القاعدة، فهو في وضع يؤهّله لأن يجذب أنصار هذا الأخير و تضيف الدراسة إنه أُرسِل إلى مدينة سرت مارس 2013 وفي العام 2014 لنشر دعوة الدولة الإسلامية وجمع الأنصار من مسجد الرباط الإمامي بسرت وقد ألّف البنعلي كتيّباً حول أبو بكر البغدادي وأحقيته بالخلافة، يحمل عنوان “مدّ الأيادي لبيعة البغدادي” و إنتشر هذا الكتاب فى مناطق سيطرة تنظيم داعش فى ليبيا .
تقول الدراسة أن البنعلي يُعد مهمّاً لتنظيم الدولة الإسلامية أيضاً بسبب خلفيته وآرائه الطائفية ، ففي العام 2007، طُرد من دبي، حيث كان يدرُس، ومُنع في وقتٍ لاحق من دخول الكويت، ومصر، وقطر، والبحرين وطنه الأصلي، بسبب أفكار التكفيرية والطائفية. إضافةً إلى ذلك، كان شديد الانتقاد للشيعة وعقيدتهم “الفاسدة”، كما يراها هو وغيره من المنتقدين. وفي يوليو 2015، هدّد البنعلي بشنّ هجمات ضد مساجد الشيعة في البحرين، في أعقاب التفجيرات الانتحارية التي نفّذها تنظيم الدولة على مساجد الشيعة في الكويت والمملكة العربية السعودية.
يميل البنعلي إلى التركيز على موضوعين أساسيين مركزيّين في إيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية وهما: نواقض الإسلام والتوحيد ، ففي ليبيا، ألقى محاضرات حول نواقض الإسلام، وألّف كتاباً عن التوحيد بهدف استخدامه في معسكرات التدريب التابعة للتنظيم فى مناطقه بليبيا .
وفي حين يستخدم تنظيم الدولة الإسلامية مصطلحات غالباً ماترتبط بالسلفيين أو الوهابيين بحسب ما أشارات إليه دراسة ” كارنيغي ” يستشهد التنظيم أيضاً بخطب ومؤلفات لأفراد لاينتمون إلى المؤسسة الدينية التقليدية. على سبيل المثال، ثمة قائمة مقترحة من 196 من المواد المكتوبة والسمعية والبصرية يوزعها أنصار تنظيم الدولة الإسلامية على الأعضاء الجدد، تشمل بأغلبية ساحقة مؤلفات لرجال دين آنفي الذكر. وفي مايتعلق بعقيدة الولاء والبراء، يُنصَح الأعضاء الجدد بمشاهدة خطب رجال دين مرتبطين بتيار الصحوة، ذلك أنهم غالباً مايعلّقون على أفكار علماء الدين الذين يحظون بقبول واسع لدى في صفوف مسلمي التيار السائد.
و أكدت الدراسة فى جزئية متعلقة بعقيدة تركي البنعلي بالقول أن تأثير علماء حقبة الصحوة السلفية ولاسيما بنسختها السعودية لا يعفيهم من المساهمة في إضفاء الشرعية على جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية ، إذ تغذّي التقاليد السلفية خطاب تنظيم الدولة الإسلامية وتساعده على الارتباط بالإسلام التقليدي غير أن التنظيم تجاوز هذه التقاليد، وحدثت مواجهة بينه وبين السلفيين التقليديين لأسباب دينية وقد استخدم المفكرون الدينيون المعاصرون ممن لهم تأثير على الإيديولوجيات الجهادية اليوم العديد من الأفكار المتطرّفة لابن تيمية والوهابية لأغراض سياسية وثورية واستُخدم مفهوم الولاء والبراء، على سبيل المثال، خلال حقبة الصحوة ليس لاستهداف المسلمين الهراطقة وحسب، بل الغرب أيضاً. وقد أثّرت إعادة التفسير هذه كثيراً على الجهاديين في تسعينيات القرن الماضي.
و إختتمت هذه الجزئية بالقول أن السلفيون التقليديون لا يقبلون العديد من ممارسات الدولة الإسلامية. إذ يرفض معظمهم، على سبيل المثال، التفجيرات الانتحارية بحجّة أن الإسلام يحرّم الانتحار بجميع أشكاله. وقد أجاز رجال دين إسلاميون، مثل يوسف القرضاوي، التفجيرات الانتحارية، على الرغم من أنه ذكر في وقت لاحق بأن فتواه كانت خاصة بإسرائيل ، ومن ضمن الممارسات التي يرفضها السلفيون التقليديون: التمرّد ضد الحكام واعتبار عوام الشيعة مرتدّين وتفجير المساجد.