اليمن – تنغص الأزمة الاقتصادية على اليمنيين أجواء الفرحة بعيد الفطر الذي يهل عليهم الإثنين، في ظل حرب تشهدها بلادهم منذ أكثر من 7 سنوات.
ورغم سوء الأحوال المعيشية التي تصاعدت حدتها في العامين الأخيرين؛ إثر تدهور سعر العملة الوطنية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاحتياجات المنزلية، إلا أن المواطنين حاولوا التغلب على المآسي وصناعة الفرحة في شهر رمضان.
ووسط هذه الصعوبات، شهدت الأسواق خلال رمضان خاصة في الأيام الأخيرة منه انتعاشًا ملحوظًا، استعدادًا للعيد.
يأتي ذلك وبالبلاد تشهد هدنة إنسانية منذ مطلع شهر رمضان (2 أبريل/ نيسان) ترعاها الأمم المتحدة لمدة شهرين قابلة للتمديد، بين القوات الحكومية المدعومة من تحالف عربي تقوده السعودية، وبين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في ظل اتهامات متبادلة بارتكاب خروقات.
مظاهر فرحة وسط العتمة
الاحتفاء بعيد الفطر في اليمن، تبدت مظاهره هذا العام مبكرًا منذ بدء العشر الأواخر من شهر رمضان، وشهدت الأسواق إقبالًا كبيرًا في محاولة لصناعة الفرحة والتغلب على أوجاع الحرب.
ولوحظ الازدحام الكبير في الأسواق والمحلات لشراء ملابس وحلويات العيد، رغم ما خلفته الحرب من آثار اجتماعية واقتصادية.
بيد أن شريحة واسعة من اليمنيين وبسبب أوضاعهم المتردية يرون في العيد ضيفًا ثقيلًا يجبرهم على نفقات مالية من الملابس والحلويات وغيرها التي أصبحت من العادات والتقاليد.
وتجتاح السوق اليمني موجة غلاء في الأسعار، خاصة الملابس والحلويات، يرافقها بين الحين والآخر تأرجح العملة الوطنية بين الصعود والهبوط في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
ويصرف الدولار الواحد هذه الأيام بنحو ألف ريال في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، فيما سعره في المحافظات الخاضعة للحوثيين 560 ريالًا.
وكان الدولار الواحد يصرف قبل اندلاع الحرب بنحو 215 ريالا.
كفاح للحصول على فرحة
ويعتبر شهاب الصغير “طالب جامعي” ويعيل أسرته، أن الأوضاع الاقتصادية وتفاقمها هذا العام شديد أكثر من أي عام مضى.
ويؤكد للأناضول أن ذلك أثر على غالبية الأسر التي تجد صعوبة في الحصول على احتياجاتها، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وانعدام مصادر الدخل.
ومن مدينة ذمار (وسط) يقول إبراهيم محمد، أن الوضع أشد مأساوية لدى منتسبي السلك الحكومي، لا سيما فئة المدرسين الذين يمثلون النسبة الأكبر من موظفي الدولة، والذين أصبحوا بلا رواتب منذ 6 أعوام، إلا من نصف راتب تصرفه جماعة الحوثي كل ستة أشهر.
ويشير إلى أن ذلك يجعل من مهمة الحصول على متطلبات العيد لإدخال الفرحة على أسر هؤلاء الموظفين باتت مستحيلة، باستثناء من بحثوا عن مصادر رزق أخرى.
ويضيف أن تداعيات الحرب بالبلاد والتدهور الاقتصادي، والمناخ العام في مناطق الحوثيين، جعل من الحصول على مصدر رزق آخر “أمرا مستحيلا”.
بينما يصف الكاتب “أحمد النويهي”، في حديث للأناضول، أجواء العيد في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب) بكفاح اليمنيين المعتاد في السلم والحرب.
ويرى أن “تشكيل المجلس الرئاسي وعودته إلى العاصمة عدن ضرورة لإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة”، كما يأمل.
وفي 7 أبريل/ نيسان المنصرم، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إعلانا رئاسيا من العاصمة السعودية الرياض ينص على تأسيس مجلس قيادة رئاسي من 8 أعضاء، برئاسة رشاد العليمي لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية في البلاد.
ويقول النويهي إن ذلك يمنح الناس آمالًا بكسر رتابة الانتكاسة التي حصلت للعملية السياسية والعسكرية خلال الأعوام الماضية.
ويعتقد أن كفاح اليمني واحتفالاته في المناسبات هو بُغْية التماسك الاجتماعي، ما يسدد عوز الكثيرين الذين تقطعت بهم سبل العيش.
فرحة منقوصة في تعز
وتستغرب “سكينة محمد” الصحفية في الشأن الإنساني، من الهدنة التي تجاهلت قضية حصار تعز (جنوب غرب) منذ 2015، رغم أن إنهاء حصارها من بنود الهدنة.
وتحدثت للأناضول عن معاناة سكان المدينة حيث يتسلق السكان الجبال بدلاً من عبورهم المنافذ لإدخال البضائع، الأمر الذي يضاعف كلفتها.
وتتهم منظمات حقوقية الحوثيين بفرض حصار على مدينة تعز (مركز محافظة تحمل الاسم نفسه)، وهي تخضع لسيطرة الحكومة، منذ اندلاع النزاع في 2015، ومنع قوافل الإغاثة الإنسانية من الوصول إلى السكان والمتضررين من الحرب، لكن الجماعة تنفي ذلك.
وعبرت الصحفية محمد، عن حزنها بسبب مظاهر العيد “المنقوصة” في منازل وأحياء المدينة التي تعاني الأمرّين، لا سيما في الجانب الاقتصادي والمعيشي.
من جهته، يوضح المواطن زكريا الأهدل للأناضول أن هناك من اليمنيين من يستقبل العيد بفرحة، في حين آخرين يستقبلونه بحزن، بسبب الوضع الاقتصادي المتردي.
ويلفت إلى أن راتب الجندي البالغ 60 ألف ريال لا يمكن أن يفي بأدنى الاحتياجات اليومية، فضلًا عن توفير متطلبات العيد.
ويشكو الأهدل من تلاعب التجار بالأسعار دون رقابة حكومية، موجهًا مناشدة للقيادة الرئاسية الجديدة للبلاد والحكومة وسلطة تعز للنظر في “مآسي المواطن الذي يموت جوعًا قبل أن يموت بالسلاح”.
أما ماجد حازم الذي يعمل بائعا في أحد الأسواق فتحدث عن استعدادات الناس للعيد، وأبرز مظاهرها شراء ملابس للأطفال.
ويؤكد للأناضول استياء الناس من تدهور الأوضاع المعيشية وتصاعد الأسعار وارتفاع ثمن الملابس، لافتًا إلى أن غالبية المواطنين يحاولون توفير الضروريات فقط، دون إيجاد متطلبات العيد.
الظروف نفسها في مأرب
وفي مدينة مأرب (وسط) التي تكتظ بقرابة مليوني نازح، يقول تاجر يمتلك محل حلوى ومكسرات، إن هناك تراجعا في إقبال الناس على شراء متطلبات العيد، خلافًا لما كان عليه حين بدأ العمل في متجره عام 2016.
ويلاحظ التاجر، الذي لم يذكر اسمه، أن العشرات من الزبائن والمواطنين يأتون لمعرفة قيمة الأسعار فقط، إذ أن دخل الفرد اليمني اليوم بالكاد يفي تغطية الاحتياجات الضرورية.
بدوره، يقول حسام عسكر صاحب بسطة خضار في سوق وسط المدينة، للأناضول، إن اليمني بات يواسي نفسه في العيد بعبارة “العيد عيد العافية” ومغزاها أنه ما زال على قيد الحياة في ظل الحرب.
ويشير إلى أن معظم اليمنيين يعجزون عن توفير متطلبات العيد والخروج للمتنفسات والحدائق المتواضعة.
المصدر : وكالات + الأناضول