إنجلترا – من بين القصص التاريخية، واحدة فريدة في معانيها وتفاصيلها، وهي عن سيدة نبيلة فائقة الجمال، كانت زوجة حاكم محلي بإنجلترا. هذه السيدة ضحت بأن ركبت حصانا وتجولت في الشوارع عارية تماما.
القصة جرت في القرن الحادي عشر في مدينة كوفنتري الواقعة بغرب إنجلترا وكان يحكمها وقتها الملك “إدوارد المعترف”، آخر الملوك الأنجلو سكسون.
الحسناء غوديفا كانت زوجة للكونت ليوفريك إيرل ميرسيا “968 – 1057″، وهو أحد الحكام الاقطاعيين، وكان خاضعا للملك إدوارد المعترف.
تقول القصة إن الملك “إدوارد المعترف”، لم يجد كما هي العادة في ذلك العصر، ما يملأ به خزانته الفارغة إلا فرض ضرائب جديدة على رعاياه. الكونت ليوفريك سارع إلى تنفيذ المرسوم الملكي، وتم إبلاغ السكان بأن الضرائب التي سيتعين دفعها منذ الآن فصاعدا ستكون الضعف تقريبا.
الفلاحون والعامة من الفقراء تضرعوا للكونت وناشدوه بحرارة أن يعفيهم من هذه الزيادة في الضرائب التي ستضاعف من فقرهم وتعاستهم، إلا أنه أصر على موقفه ورفض مطالبهم الملحة والمتكررة.
غوديفا، زوجة الكونت، وكانت تُعرف بتدينها الشديد ولطفاها البالغ وتعاطفها مع البسطاء من السكان، قررت التدخل وناشدت زوجها إلغاء الضرائب الجديدة المرهقة والثقيلة.
لورفيك انزعج من إلحاح زوجته الحسناء والطيبة، ومن أجل التخلص من مناشداتها أخبرها أن طلبها سيستجاب إن هي ركبت حصانا عارية وقطعت المدينة من أقصاها إلى أقصاها.
كان الكونت يتوقع أن ترفض زوجته النبيلة والمتدينة هذا العرض الذي سيعرضها للعار، لكنه صدم من هول المفاجأة حين أعلنت له أنها موافقة.
صبيحة اليوم التالي، خلعت جوديفا ملابسها بالكامل، وغطت عريها بشعرها الطويل والكثيف، وركبت حصانا جابت به أطراف المدينة.
الرواية تقول إن السكان الذين يكنون احتراما وتقديرا كبيرين لهذه السيدة، غضوا أبصارهم ونكسوا رؤوسهم حين مرت أمامهم، ولم يرفعوها إلا بعد أن توارت في البعيد.
في رواية أخرى، الحسناء غوديفا بنفسها طلبت في اليوم السابق من سكان كوفنتري، إغلاق جميع الأبواب خلفهم والبقاء في منازلهم، وناشدتهم عدم النظر إلى الخارج حتى من ثقوب الأقفال. القصة تقول إن التضحية أتت أكلها، ووفى الكونت بوعده بعدم زيادة الضرائب.
بعد ذلك صمتت القصة المتداولة، إلا أن الزوجين مع كل ما جرى، استمرا في العيش معا في وئام ومحبة، وتمتعت رسميا مدينة كوفنتري بإعفاء من الضرائب لفترة طويلة.
أهالي مدينة كوفنتري التي تبعد عن العاصمة لندن بمسافة 150 كيلو مترا، يواصلون تكريم وإحياء ذكرى ابنة مدينتهم الشهيرة، ويرسمون صورا معبرة لها، ويضعون صورتها على البطاقات البريدية والهدايا التذكارية، ويقيمون احتفالات على شرفها يرتدي المشاركون فيها أزياء القرن الحادي عشر.
الشعراء على مر القرون كانوا يلهجون بذكرها وبجمالها، فيما كان الفنانون يصورنها في لوحاتهم، حسناء شابة بشعر فضفاض تجلس عارية على حصان.
المفاجأة أن المؤرخين كما هو الحال دائما يفسدون مثل هذه الحكايات النادرة والمثيرة. هؤلاء لا يشدهم جمال القصة بل ينقبون عن حقيقتها، وقد توصلوا بالفعل إلى تأكيد أن السيدة غودفينا امرأة حقيقية وجدت آثار لها وصور على نوافذ زجاجية ملونة قديمة، لكنها في تلك الصور تظهر من دون شعر طويل فضفاض.
المؤرخون يقولون أيضا إنهم لم يتوصلوا إلى أي دليل مكتوب عن واقعة ركوبها حصانا وهي عارية. علاوة على ذلك تظهر السجلات أن عمر غودفينا أثناء تلك الأحداث حوالي 60 عاما، ما يفسد أيضا جمال القصة ونكهتها الفريدة.
السيرة الحقيقة للسيدة غوديفا وزوجها الكونت ليوفريك، تشير إلى أنهما شيدا في عام 1043 ديرا في مدينة كوفنتري، وأن غودفينا كانت متدينة وتقية وقد تبرعت بسخاء للكنيسة حتى أنها تبرعت قبل وفاتها بجميع أراضيها للدير الذي رعته. غودفينا وزوجها مدفونان في هذا الدير، إلا أن هذه السيدة وجدت لها مكانا أبديا في قلوب الكثيرين الذين شغفوا بأسطورتها.
المصدر: RT