ليبيا – سلط تقرير تحليلي لصحيفة “يورشيا رفيو” الأميركية الضوء على ما عبر عنه بـ أكتوبر آخر سيشهد اقتراب جديدا لمجلس الأمن الدولي من مستنقع تعيش فيه ليبيا.
التقرير الذي تابعته وترجمت أهم ماى ورد فيه من رؤى تحليلية صحيفة المرصد أكد صعوبة تجاهل شعور سائد مفاده تكرار ذات التجربة السابقة لكون التجديد الوشيك لولاية البعثة الأممية أكثر إلزامًا من كونه ابتكارًا ما يثير شكوكًا حول استعداد المجلس لمعالجة قضايا سياسية وأمنية متجذرة بدافع جديد.
وأوضح التقرير إن سيناريو عاشر شهور العام 2023 تمثل في اجتماع أعضاء مجلس الأمن الدولي للاستماع إلى إحاطة نصف شهرية أخرى فيما استمر الجمود في ليبيا غارقًا في هوة عميقة من الانقسام والخلل فالإجراءات الروتينية للمجلس كثيرًا ما تبدو رغم أهميتها وكأنها أزمة مؤلمة.
وأضاف التقرير إن هذه الأزمة lتعيد تشغيل خلاف بين فصائل مافياوية متنافسة في ليبيا من دون تقديم تدخل حاسم لكسر الجمود فيما تسبب قرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الأحادي الجانب لإقالة محافظ المصرف المركزي السابق الصديق الكبير بتعميق الخلاف السياسي وتهديد تدفق نفط شريان الاقتصادي الوحيد.
وتابع التقرير إن مجلس الأمن الدولي يستعد للتداول مرة أخرى ليبرز نفاد صبر ملموس، متسائلًا وإن كان خطابيًا عما إذا كانت اجتماعاته ستستحضر استراتيجية كبرى لإغلاق ملف ليبيا أخيرًا أم ستؤدي ببساطة لإدامة دورة مألوفة للغاية من الإصلاحات السطحية للحفاظ على الوضع الراهن.
وبحسب التقرير يضيف التورط المتعثر للمجتمع الدولي الأوسع نطاقًا طبقة أخرى من التعقيد لتبدو القوى الإقليمية الكبرى خلف واجهة القلق أقل استثمارًا في الاستقرار الحقيقي وأكثر اهتمامًا بمصالحها الاستراتيجية الخاصة لتنجح جهات فاعلة خارجية في نحت مجالات نفوذ داخل ليبيا.
ووفقًا للتقرير تمكنت هذه الجهات من حماية موطئ قدمها الجيوسياسي والإقليمي والاقتصادي والعسكري مشيرًا إلى أن ليبيا غير المستقرة القابلة للإدارة تمثل بالنسبة لهذه القوى حاجزًا ضد اضطرابات اقليمية أكبر ما يجعل إطالة عمر أزمتها الخيار الأكثر قبولًا.
وأضاف التقرير إن هذه المعطيات تقدم دعمًا عامًا لنوع من السلام وآمال في الاستقرار حتى مع بقاء المتطفلين في ليبيا راضين إلى حد ما عن احتلال بلادهم والانقسام فيها غير المرئيين خدمة لمصالح جيوسياسية فردية فهذه المفارقة في التدخل لإخفاء ستار القلق وأحيانا الغضب الخفيف والسعي العنيد.
وتابع التقرير إن كل هذا يصب في صالح مصالح استراتيجية قصيرة الأجل والنظر معتمدة على الجمود الدائم في ليبيا لتقتل كل إلحاح هادف إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة الحقيقية ولتسلط الضوء على فشل المجتمع الدولي في تقديم حلول متماسكة وفعالة.
وبين التقرير إن الالتزام الجاد بدراسة أسباب جعل ليبيا المستقرة والموحدة والآمنة وذات السيادة بات أمرًا بعيد المنال بالنسبة للأمم المتحدة، محذرًا في ذات الوقت من تكرار ما حدث في أكتوبر من العام 2023 إذ اجتمع مجلس الأمن الدولي لتجديد تفويض آخر للبعثة الأممية.
وأضاف التقرير إن هذا الاجتماع أظهر بوضوح القشرة الديبلوماسية الدولية الجوفاء على نحو متزايد، مبينًا تقلص الدور القوي للأمم المتحدة بصفة منظم ومحكم ومشرع إلى ما بات يبدو أنه مجرد ختم مطاطي عالق في مستنقع من عدم الكفاءة والجمود والخلل.
ووصف التقرير اتفاق تعيين ناجي عيسى محافظًا جديدًا للمصرف المركزي ومرعي البرعصي نائبًا له بواحد من اتفاقات غالبًا ما تتفكك تحت وطأة صراعات السلطة المتجذرة بعمق في ليبيا، في وقت يبدو فيه الليبيون أنفسهم منفصلين وغير متحمسين للساحة السياسية المتوقفة والخطيرة للغاية.
وأرجع التقرير حال الليبيين هذا لندوب عميقة خلفتها أحداث العام 2011 وما بعده فقد أصبحت وعود الديموقراطية التعددية والحريات الشخصية مجرد ذكريات بعيدة في ظل أزمات إنسانية مستمرة تثبت فشل النظام الحالي وعيوبه لعل أبرزها كارثة فيضانات مدينة درنة فهي أكبر مثال حتى الآن يوضح هذه العيوب.
وأشار التقرير إلى أن الفساد السياسي والمنافسة على أموال إعادة الإعمار لم يؤديا إلا إلى تعميق الخلاف وتكثيف اللامبالاة العامة الملموسة بالفعل فالمشاحنات بين النخب السياسية وفشل الأمم المتحدة غير الفعالة مرارًا وتكرارًا بالتوسط لسلام دائم من ظهور شبح جولة أخرى من الصراع العسكري في الأفق.
وأكد التقرير إن ما يزيد من تفاقم هذه المصائب هو احتمال تحول ليبيا إلى ملعب دائم للقوى المتوسطة والمنظمات الإجرامية الساعية لممارسة نفوذها ما من شأنه زيادة زعزعة استقرار دولة ما زالت تكافح من أجل تحقيق تطلعاتها غير المتحققة بعد العام 2011 إذ أصبحت ضئيلة للغاية.
وأضاف التقرير إن استسلام المجتمع الدولي المقلق للوضع الراهن في ليبيا يغذي بالفعل رواية مفادها أن التسامح المتزايد مع الإخفاقات مشروط بأن لا تؤدي إلى حرب شاملة، مبينًا أن تجنب الانتكاس الصريح للصراع قد يثير تنهدات جماعية من الارتياح إلا أن هذا الاستقرار الزائف يخفي قضايا أعمق كثيرًا.
وتابع التقرير إن السلام الحالي وهمي ويخفي تعزيز السلطة من قبل جهات فاعلة مختلفة تستخدم هذه الفترة لإثراء نفسها من خلال الفساد والاستيلاء على الدولة من دون رادع إذ نجح منقسمون وفصائل المافيا في التلاعب بالمؤسسات العامة مثل المصرف المركزي ومؤسسة النفط في طرابلس.
وبين التقرير إن هؤلاء تمكنوا من ملء جيوبهم وزرع بذور مريرة بين عامة الناس ممن لا يمكنهم إلا أن يراقبوا تضاؤل الآفاق مع كل عنوان جديد أو أزمة، مؤكدًا أن هذه الديناميكية من العجز تزيد من حرمان مواطني ليبيا من حقوقهم وتضرب مثالًا للعالم أجمع على إخفاقات المجتمع الدولي.
ونعت التقرير المجتمع الدولي بمسهب لفظي لسيل من البيانات والإعلانات والقرارات التي لا تنتهي ليجد الليبيون العاديون أنفسهم مع إحكام الجهات السياسية لقبضتها مع أقل ما يخسرونه ما يزيد من خطر رد الفعل الشعبي رغم انتشار الأسلحة في الأسواق السوداء المترامية الأطراف في ليبيا.
وأضاف التقرير إن طول أمد هذا الجمود يزيد احتمالات أن يأخذ الليبيون الأمور بأيديهم ليبقى هذا الأمر ليس نموذجًا مستدامًا إذ لا ينبغي أن يكون إرثًا للتدخل الدولي في ليبيا، داعيًا مجلس الأمن الدولي لمواجهة حقيقة صادمة أن أراد أن يحقق تقدمًا حقيقيًا.
وتابع التقرير إن هذه الحقيقة مفادها إن التجديد الدوري للتفويضات والاتفاقيات السطحية لا يفعل الكثير لمعالجة الأسباب الجذرية لمحنة ليبيا ولا يخدم سوى تقليص ما تبقى من مصداقية الأمم المتحدة في أماكن أخرى من العالم، منتقدًا غياب الجهد الحاسم والمنسق والحقيقي لتنفيذ حلول دائمة.
واختتم التقرير إن هذا الغياب يعني استمرار دورة الخلل على حساب الليبيين إلى حد كبير وفي نهاية المطاف دق مسمار آخر في حالة الاستقرار العالمي الهشة بالفعل.
ترجمة المرصد – خاص