الغارديان : كتيبة الدباشي فى صبراتة تلقت أموال من روما مقابل وقف التهريب والحصول على نفوذ سياسي

ليبيا – سلط تقرير تحليلي أعدته صحيفة الغارديان البريطانية الضوء على ما عبر عنه بتعرض أحد الركائز الرئيسية لجهود الحكومة الإيطالية لوقف ظاهرة عبور الأشخاص من ليبيا إلى جنوب إيطاليا إلى خطر الإنهيار بعد أن سممت هذه الظاهرة البلاد سياسيا.

التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد أشار إلى هذا الإنهيار مرده الصراع الدموي على السلطة في ميناء صبراتة الذي يعد مركزاً مهما من مراكز الإتجار بالبشر الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا مشيراً إلى أن إشادة رئيس الوزراء الإيطالي الأخيرة بشأن إنخفاض أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى إيطاليا خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين بنسبة 80% لم يعد لها أي معنى الآن بعد أن بدأت الأعداد تتزايد خلال سبتمبر الماضي بعد إحتدام الصراع على السلطة في مدينة صبراتة.

وأضاف التقرير بأن هذا الصراع الذي تكشف مؤخراً عن عصابات متنافسة فيما بينها للسيطرة على الأعمال التجارية المربحة يثبت عدم وجود شركاء موثوق فيهم من قبل الإيطاليين في وقت يرى فيه الحزب الديموقراطي الحاكم في إيطاليا في ستراتيجية وقف موجات البشر القادمة من إيطاليا والتي يمثل وزير الداخلية “ماركو مينيتي” عقلها المدبر على نطاقها الواسع عاملاً حاسما لتعزيز حظوظ الحزب في الإنتخابات العامة التي ستقام في الربيع المقبل.

ووفقاً للتقرير فإن الحزب الديموقراطي يتعرض لهجوم من الأحزاب الشعبية المناهضة للمهاجرين التي سيمثل إنتصارها تدميرا لخطط القادة المؤيدين لأوروبا لخلق إتحاد أوروبي أقوى وأكثر وحدة مشيراً إلى أن الإنخفاض في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من ليبيا إلى إيطاليا خلال هذا الصيف يرجع إلى عوامل عدة أهمها ما قامت بها قوات خفر السواحل الليبية الأكثر عدوانية والمدربة بشكل أمثل من قبل الجانب الإيطالي حيث تمكنت من إرجاع 60% من السفن التي غادرت الساحل الليبي.

وأضاف التقرير بأن ثاني أهم أسباب هذا الإنخفاض كان توصل الإيطاليين إلى إتفاق تفاهم مع الميليشيات المسلحة لوقف عمليات تهريب البشر من مدينة صبراتة التي تعد الميناء الرئيسي لعمل المهربين فضلاً عن توارد تقارير عدة عن صفقة سرية أبرمها وزير داخلية إيطاليا “ماركو مينيتي” مع واحدة من أقوى عصابات التهريب في المدينة التي تضم 500 عنصر وتسمى لواء “العمو” (كتيبة أحمد الدباشي الملقب بالعمو) والتي يقودها الدباشي المعروف أيضا بإسم “العمو”.

ووفقاً لمعلومات حصل عليها معد التقرير فإن جماعة الدباشي وهي ميليشيا مسلحة تسيطر على 3 معسكرات إحتجاز رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين في المنطقة وورد إسمها مراراً وتكراراً في تقارير الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ووصفت بأنها واحدة من محاور أعمال التهريب وافقت على وقف أعمالها المربحة في مقابل الحصول على نفوذ سياسي وأموال مبيناً بأن الصفقة أُثارت صراعاً واسع النطاق على السلطة بمدينة صبراتة بين  الدباشي المكنى بـ ” العمو ” وغرفة عمليات محاربة تنظيم الدولة  من جهة وكتيبة الوادي المنافسة من جهة أخرى.

وأضاف التقرير بأن ما يثير السخرية هو وجود أسماء عناصر هذه الجهات المتصارعة في قوائم الرواتب القادمة من وزارات حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة فيما تسببت الصراعات بين هذه الجهات خلال الأسابيع الـ3 الماضية بمقتل 26 شخصاً وإصابة 170 آخرين وتشريد الآلاف من السكان من وسط مدينة صبراتة مبيناً بأن الإنذار بتعثر الصفقة وصل إلى الحكومة الإيطالية من خلال أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين بدأوا بالزحف فجأة مرة أخرى من ليبيا نحو إيطاليا.

وتطرق التقرير إلى الإنتقاد الذي وجهه المشير خليفة حفتر لهذه الإتفاقية ووصفه بقائد الجيش الوطني الليبي الذي قال ان قوته تزداد ويمثل عاملاً تتودد إليه كلاً من روما وباريس الساعيتان إلى الوصول إلى حل سياسي ينهي 6 أعوام من الفوضى أنهكت الليبيين وأفقرتهم مشيراً إلى أن الغرب عد المشير خليفة حفتر شخصاً وحشياً وغير ديموقراطي إلا أن الإيطاليين توددوا إليه مؤخراً على الرغم من مزاعم تفيد بتوجيهه الأوامر لقواته بإرتكاب جرائم حرب بحسب نص التقرير.

وأضاف بأن المشير خليفة حفتر يحاول أن يقدم نفسه للإيطاليين كرجل قادر على السيطرة على التهريب حيث صرح في مقابلة أجرتها معه صحيفة “كوريير ديلا سيرا” الإيطالية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية قائلا: ” أستطيع أن أوفر القوات المسلحة للسيطرة على الحدود في الجنوب ولكن يجب على الأوروبيين أرسال الدعم والطائرات من دون طيار والمروحيات ومعدات الرؤية الليلية والمركبات”.

وتحدث المشير خليفة حفتر قائلاً بأنه من الخطأ قيام الإيطاليين بإبرام أي إتفاق مع ميليشيا للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين لأن الحكومة الإيطالية تعرض نفسها من خلال ذلك للخداع مضيفاً بالقول:” الدفع لهم يعني الدخول في حلقة مفرغة ففي الغد سيقاتلون بعضهم البعض من أجل المكافأت ومن ثم يطلبون المزيد من الأموال وسيؤدي ذلك إلى حالة إبتزاز لا نهاية لها”, فيما تصر الحكومة الإيطالية على عدم تقديم أي دعم بشكل مباشر إلى أي ميليشيا وأن دعمها إقتصر على حكومة الوفاق وبلدية صبراتة.

من جانبه قال “ماتيو فيلا” رئيس برنامج الهجرة في معهد الدراسات السياسية الدولية “إسبي” وهو هيئة خبراء إيطالية مقرها في مدينة ميلانو أن الإرتفاع الملحوظ مؤخراً في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من ليبيا إلى إيطاليا مرده إما خسارة ميليشيا الدباشي هيمنتها على مدينة صبراتة أو محاولة من هذه الميليشيا لإرسال رسالة إلى روما مفادها بأنها قادرة على فتح وإغلاق موجة المهاجرين غير الشرعيين بطريقة مماثلة لعمل صنبور المياه على حد تعبيره.

وأضاف فيلا قائلاً بأن هنالك مخاوف من أن يسهم إنخفاض عدد القوارب الحاملة للمهاجرين غير الشرعيين المغادرة للموانئ الليبية إلى جانب الحصار الناجح الذي فرضته قوات خفر السواحل بتراكم أعداد المهاجرين العالقين في معسكرات إحتجاز غير إنسانية في ليبيا.

وتطرق التقرير إلى الجهود التي يبذلها وزير الداخلية الإيطالي “ماركو مينيتي” مكافحاً من أجل تهدئة الرأي العام الإيطالي الغاضب بعد أن وصل إلى إيطاليا 600 ألف مهاجر غير شرعي من شمال إفريقيا منذ العام 2014 فيما قتل 12 ألف آخرين وهم يحاولون الوصول فيما أظهرت آخر الإحصائيات بأن مجموع الواصلين حتى تاريخ الـ21 من سبتمبر الماضي بلغ 103 آلاف و318 مهاجراً غير شرعي وهو معدل منخفض بنسبة 21,5% قياساً بذات الفترة من العام 2016 حيث كان العدد 131 ألفاً و683.

ووفقاً لتقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن 80% من الواصلين إلى إيطاليا هم مهاجرون لأسباب إقتصادية وبالتالي فإنهم عرضة للترحيل لأنهم غير مؤهلين للحصول على توصيف اللجوء فيما أظهر إستطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إيبسوس بول” الأميركية أن 70% من الإيطاليين يتفقون مع مقولة أن الهجرة غير الشرعية القادمة من ليبيا مرتفعة جداً وأضرت بالخدمات العامة.

المصدر : THE GUARDIAN

الترجمة : المرصد – خاص

 

Shares