هل ينجح لبنان في تجنب حرب إسرائيل وإيران؟

لبنان – مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على إيران، يجد لبنان نفسه أمام اختبار جديد لسياسته الخارجية القائمة على “النأي بالنفس”، وسط قلق متزايد من انزلاقه لمواجهة عسكرية جديدة بعد إعلان الفصائل اللبنانية انحيازها لإيران وعدم وقوفها على الحياد.

هذا القلق يأتي بينما لم يطوِ لبنان بعد صفحة العدوان الإسرائيلي الذي اندلع في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، مخلفا أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح ودمار واسع.

ورغم سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل اللبنانية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إلا أن إسرائيل ارتكبت آلاف الخروقات له، خلّفت ما لا يقل عن 216 قتيلا و508 جرحى، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية.

وينقسم الموقف اللبناني بين تصريحات رسمية تتمسك بعدم التورط في حرب إسرائيل على إيران والتزام الحياد، وخطاب عسكري يفتح الباب أمام احتمال اندلاع مواجهة جديدة.

ومنذ 13 يونيو، تشن إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين الجانبين.

**حالة ترقب

وعن انعكاسات التطورات الإقليمية على إيران، قال الصحفي طوني عيسى، إن بلاده تعيش حالة من الترقب إزاء تطور العدوان الإسرائيلي على طهران.

وتابع: “حتى الآن لم تظهر النتائج أو الترددات المحتملة على المنطقة ككل وعلى لبنان، لذلك يبقى هناك مجال للانتظار لأي سيناريوهات سوف يقبل عليها الوضع العسكري والوضع السياسي بين إيران وإسرائيل وبين إيران والولايات المتحدة والغرب إذا دخلت قوات أخرى في مرحلة لاحقة”.

اتفق مع عيسى، المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان، الذي قال إن البلاد تعيش “حالة ترقب ناجمة عن العدوان الإسرائيلي على إيران”.

وتابع للأناضول، أن هذا الترقب “ممتزج بمسار الحرب ونتائجها”، لافتا إلى وجود مخاوف من توسيع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، خصوصا أن تل أبيب لم تلتزم بوقف إطلاق النار المعلن في 27 نوفمبر الماضي.​​​​​​​

أما الصحفي والمحلل السياسي قاسم قاسم، فقال للأناضول إن الحرب الإسرائيلية على إيران انعكست سلبا على القطاع الاقتصادي بلبنان، إذ أثرت على الموسم السياحي الذي كان ينتظره البلاد في هذا الصيف.

وعلى غرار الدول المحيطة، تأثرت حركة الملاحة الجوية في بيروت بسبب الصواريخ الإيرانية حيث ألغت العديد من شركات الطيران رحلاتها الجوية من وإلى مطار بيروت، كما أُعيد جدولة مواعيد رحلات أخرى لأسباب أمنية.

كما ألقى العدوان على إيران بظلاله السلبية على الجانب الاجتماعي في لبنان، حيث تسيطر “حالة من الخوف” على اللبنانيين وسط احتمال دخول بلادهم في حرب جديدة ضد إسرائيل، وفق قاسم.

**مواقف متباينة

في لبنان، تتباين المواقف إزاء الانحياز إلى إيران من عدمه، حيث يؤكد الموقف الرسمي على سياسة “النأي بالنفس”، إلا أن الفصائل اللبنانية أعلنت انحيازها لطهران.

وصدر الموقف الرسمي من هذه الحرب عن كل من الرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري.

وأكد عون في 16 يونيو/ حزيران الجاري، على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لإبعاد لبنان عن الصراعات التي لا شأن له بها، معربا عن أمله في ألا يؤثر الوضع الإقليمي على الفرص المتاحة أمام لبنان.

كما دعا رئيس الجمهورية المجتمع الدولي إلى التحرك فوراً لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها.

أما سلام فقد شدد على “ضرورة الحؤول دون توريط لبنان في أي شكل من الأشكال بالحرب الدائرة لما يترتب علينا من تداعيات لا علاقة لنا بها”.

بينما قال بري إن “لبنان لن يدخل الحرب 200 بالمئة وإيران ليست بحاجة لنا بل إسرائيل هي التي تحتاج دعماً”.

**”النأي بالنفس”

وعن سياسة النأي بالنفس، قال عيسى إن الفصائل اللبنانية حتى الآن اعترف بأن للدولة اللبنانية قرار الحرب والسلم وهذا أمر قد حسم في لبنان”، وهذا سبق وأكدته تصريحات لمسؤولين رسميين في البلاد فيما قال الأمين العام لحركة الفصائل اللبنانية نعيم قاسم في أبريل/ نيسان الماضي إن “الفرصة التي نمنحها للحل الدبلوماسي (للتفاوض والانسحاب الإسرائيلي) غير مفتوحة”.

ويضيف عيسى أنه من المجهول معرفة إذا كانت الحركة “سيعيد النظر في هذا المسألة”.

وأشار إلى أن “القرار في لبنان حتى الأمس القريب (قبل العدوان على لبنان) لم يكن في يد الحكومة اللبنانية، بل كانت الفصائل اللبنانية هي التي تقرر في هذه المسألة”.

وأكد على أن مهمة حماية لبنان هي “مسؤولية الدولة”، معبرا عن اعتقاده أنه في حال تم “حسم المعركة في الإقليم وتبين أن الحلف الذيت تنتمي إليه الفصائل اللبنانية (إيران) والذي يقاتل تحت غطائه انتهي دوره، فهذا قد يؤدي إلى انتهاء دور الجماعة عاجلا أو آجلا”، وفق قوله.

من جانبه، قال شومان إن “سياسة إبعاد لبنان عن تداعيات الحرب مسألة متفق عليها بين القوى السياسية اللبنانية، فالخشية ليست من دخول لبنان الحرب، بل من إعلان الاحتلال الإسرائيلي الحرب على البلاد، وهنا مكمن الخطر”.

وأشار إلى أن لبنان تتخذ إجراءات لاحتواء مضاعفات الحرب قائمة على “الاتصالات السياسية داخليا، والدبلوماسية مع الخارج”، مستبعدا احتمالية “انخراط لبنان في الحرب”.

بدوره، اعتبر قاسم أن ما يجري في المنطقة “أكبر من لبنان، فما يحدث هو إعادة ترسيم الشرق الأوسط”.

وتابع: “وحاليا ما يجري في إيران هدفه إسقاط النظام الإسلامي، وحدث مثل هذا ستكون له ارتدادات في كل المنطقة وليس لبنان حصرا”.

وعبر عن اعتقاده بضرورة مساهمة لبنان في حملات دبلوماسية من أجل “إقناع القوى الغربية للضغط على إسرائيل لوقف الحرب”، وللتحذير من مخاطر انزلاق المنطقة لحرب أوسع.

وعن مشاركة الفصائل اللبنانية في الحرب، استبعد قاسم انزلاق الجماعة لهذا الصراع في حال بقي “ثنائيا”، لكنه قال إن دخول الولايات المتحدة يزيد من احتمالية مشاركة الحزب في الحرب وذلك لارتباطه “العقائدي والديني” مع إيران.

وقال قاسم: الفصائل اللبنانية لا تزال تملك القدرة العسكرية للانخراط في الحرب، كما يملك الحافز للمشاركة خاصة إذا تعرض النظام الإسلامي في إيران لتهديد وجودي”.

وأشار إلى أن الفصائل اللبنانية في الوقت الحالي تلتزم بقرار لبنان الرسمي وهو إعطاء الدولة فرصتها للحل الدبلوماسي، فيما يتعلق باحتلال إسرائيل لمناطق في جنوب لبنان.

لكنه استبعد بقاء الأمر على حاله في حال تعرض النظام الإيراني لخطر الزوال، حيث اعتقد أن الحزب “لن يلتزم بقرار لبنان الرسمي”.

وفي آخر تصريح لأمين عام الفصائل اللبنانية، قال إننا “لسنا على الحياد في الحركة بين حقوق إيران المشروعة واستقلالها وبين باطل ‏أميركا وعدوانها، ونتصرفُ بما نراه مناسبا في مواجهة العدوان ‏الإسرائيلي الأميركي على إيران”.

في المقابل، قال عيسى إن الفصائل اللبنانية من غير الممكن أن تخوض حربا “ويفوز فيها”، لافتا إلى أنه “فقد غالبية قدراته العسكرية والمالية”.

وتابع: الفصائل اللبنانية ضعفت كثيرا وليس في مصلحتها أن تخوض مغامرة سوف تنتهي بهزيمة مؤكدة”.

وبحسب تقارير عبرية وغربية، فإن الفصائل اللبنانية تتعرض لضربات إسرائيلية عسكرية وأمنية خلال أشهر المواجهة أثرت على قدرته في خوض أي معركة جديدة.

 

الأناضول

Shares