إسرائيل – يتعمد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلق الذرائع لكل استهداف جوي أو توغل عسكري لجيشه في سوريا.
ويبدو نتنياهو مطمئنا لفائض القوة الذي يمتلكه ولركون الحكومة السورية إلى العمل الدبلوماسي في مواجهة التحركات الميدانية الإسرائيلية متكئة بذلك على الدعم الأمريكي والدولي الذي طالب إسرائيل باحترام وحدة وسيادة سورية على أراضيها.
لكن نتنياهو سارع إلى كشف مراده من دمشق فتحدث عن منطقة عازلة من حدود العاصمة السورية حتى قمم جبل الشيخ الذي جزم بأن إسرائيل لن تنسحب منها ومعها مناطق شاسعة من الجنوب السوري وعند هذا الحد من الإملاء واليقين بالقدرة على فعل ما يريد غلف نتنياهو املاءاته بمسحة ناعمة من الحديث عن اتفاق أمني مع سوريا حين قال إنه “بالتفاهم والنية الحسنة يمكننا التوصل إلى إتفاق مع السوريين”.
موقف اعترض عليه الشارع السوري بقوة منقسما بين متفهم لمحدودية قدرة الحكومة السورية على الرد والاستياء من عدم توظيف الإنفتاح الأمريكي والأوروبي على سوريا في لجم إسرائيل ووقف اعتداءاتها في حال عدم القدرة على خلق مقاومة شعبية تفرض حقائق جديدة على الأرض على النحو الذي حصل قبل أيام قليلة في منطقة بيت جن جنوب العاصمة دمشق.
الكفاح الدبلوماسي
السوريون الذين يدورون في فلك الرئيس أحمد الشرع لا ينكرون عليه التزامه العمل الدبلوماسي في مواجهة التوغلات الإسرائيلية والضربات الجوية في سوريا يؤمن هؤلاء بأن العمل العسكري ضد إسرائيل في ظل عدم تكافؤ القوى هو ” انتحار” وستكون نتائجه كارثية على كل المنجزات الدبلوماسية التي حققها الرئيس الشرع خلال عام من وصوله إلى السلطة كما يقول المحلل السياسي فهد العمري .
وأشار العمري إلى أن حكمة الرئيس الشرع جعلته ” يحرج” إسرائيل في المحافل الدولية وقد تجلى ذلك كله في وقوف الأمريكيين ومعهم الأوروبيين صفا واحداً ضد الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ومطالبتهم تل أبيب باحترام السيادة السورية.
وحول حديث نتنياهو عن إقامة منطقة عازلة من حدود دمشق إلى قمم جبال الشيخ مع السيطرة على المناطق التي احتلتها بعد سقوط النظام بما فيها خزان مائي كبير تحتفظ به قمم جبل الشيخ مقابل إبرام اتفاق سلام مع دمشق رأى المحلل السياسي أن الاتفاق الأمني سيصار إليه في نهاية المطاف ولكن ليس بالشروط الإسرائيلية مذكرا بحديث الرئيس الامريكي مؤخراً حول ضرورة احترام إسرائيل لعملية ازدهار سوريا تحت قيادة الرئيس الشرع الأمر الذي يعكس دعماً أمريكيا لدمشق سيترجم لاحقاً في أي تفاهم أمني يمكن الوصول إليه مع إسرائيل.
المفكر السوري عارف بدوي رأى أنه وخلافا لاعتقاد البعض بأن سوريا مجردة من أية أوراق قوة يمكن الزج بها في عملية التفاوض مع إسرائيل فإن الواقع يقول غير ذلك.
وفي حديثه لموقعنا أكد بدوي أن القلق الإسرائيلي من عودة إيران و”حزب الله” إلى سوريا لا يزال كبيرا خصوصا في ظل الانفلات الأمني الذي ساعدت إسرائيل على تكريسه. لافتا إلى أن الحكومة السورية وكما أشار الرئيس الشرع في أحاديث سابقة لديها مع إسرائيل “أعداء مشتركون” في إشارة واضحة إلى إيران وعليه فإنه ليس من مصلحة إسرائيل إضعاف الحكومة السورية الحالية حتى لا تقوى إيران مجددا في سوريا وهذه الورقة وفق المفكر السوري يمكن أن يستعملها الرئيس الشرع في مفاوضاته مع إسرائيل ويراكم من خلالها الأرباح مع خلق حالة من “التوازن التفاوضي” تمكنه من ضرب ملامح المنطقة العازلة التي تحدث عنها نتنياهو وحاول تسويقها كشرط للوصول إلى إتفاق أمني مع دمشق.
وختم المفكر السوري حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن حادثة إطلاق النار في بيت جن وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين فيها تثبت حاجة تل أبيب إلى وجود قوي للجيش والقوى الأمنية السورية في الجنوب السوري مع تنسيق أمني لحظي مع إسرائيل وهو الأمر الذي سينجح الرئيس الشرع في تسويقه في نهاية المطاف وعليه فإن المنطقة العازلة التي تحدث عنها نتنياهو لن تكون أمرا واقعاً إذا ما نظرت إسرائيل بواقعية إلى مسار الأحداث كما يؤكد بدوي.
لم نترك في أيدينا أوراق قوة
في المقابل يرى سوريون آخرون أن ترامب ومعه القادة الأوروبيون يقدمون الدعم الكلامي فقط لحكومة الرئيس الشرع ولا تعنيهم عودة الأراضي التي احتلت عقب سقوط نظام الأسد بأي شكل من الاشكال طالما أن دمشق تكتفي بانتهاج الحلول السلمية مع تل أبيب.
المحلل السياسي السوري سعيد جودة أكد أن أحدا لا يستطيع أن يعارض سياسة نتنياهو في سوريا بما في ذلك الرئيس الامريكي ترامب الذي ذكره في أكثر من مناسبة بأن إسرائيل دولة صغيرة ويجب أن تتوسع حتى تضمن أمنها.
ولفت جودة إلى أن إسرائيل توظف كل خطوة لمصلحتها كما يمكن لها أن تفتعل المناوشات الميدانية للبناء عليها مزيداً من التوسع وقضم الأراضي كما حصل غير مرة مشيراً إلى أن نتنياهو ماض في سياسة فرض المنطقة العازلة التي تحدث عنها من دمشق إلى جبل الشيخ حيث يحرم على الجيش السوري أي تواجد عسكري هناك وهو ينتظر توثيق هذا الأمر الواقع من خلال اتفاقية أمنية مع دمشق تعفيه من المساءلة القانونية الدولية باغتباره قوة احتلال.
المحلل السياسي السوري ابراهيم العلي رأى في حديثه لموقعنا أن ما جرى في بيت جن كان لعبا بالنار وهو لم يأت على خلفية وطنية بقصد مقاومة قوة إسرائيل الغازية بل كان عبارة عن محاولة إرسال رسالة إلى إسرائيل تقول بأن مقاومة شعبية ستحصل في الجنوب ولا سبيل لايقافها إلا عبر دمشق.
ولفت العلي إلى أن إسرائيل قد تعاقب دمشق إذا ما ثبت وجود دور لها في العملية التي أسفرت عن إصابة عدد من الجنود الإسرائيليين.
الشارع السوري غاضب
يرى وليد (محام) بأن إسرائيل قوة لا يمكن قهرها على الأقل في هذه المرحلة التي حققت فيها انجازات كبيرة على كثافة الجبهات.
ولفت وليد في حديثه إلى أن الشارع السوري لا يستطيع أن يحمل الرئيس الشرع فوق ما يحتمل لجهة عدم القدرة على مقاومة رغبة إسرائيل في إقامة منطقة عازلة بل يجب عليه أن يؤازره معنوياً ويقف وراءه في كل خطوة يقوم بها من أجل الدفاع عن الأراضي السورية حتى لو كان هذا الدفاع مقتصرا على الوسائل الدبلوماسية
من جانبه يرى لؤي (صاحب مكتب عقاري) أن الرئيس الشرع يحظى بثقة المجتمع الدولي الذي سئم صراعات السوريين.
وفي حديثه أكد لؤي أن المجتمع الدولي بات يرى في الشرع الرجل الذي سيقود بلاده إلى الاستقرار والازدهار وعليه فإن هذا المجتمع الدولي لن يسمح لنتنياهو بفرض منطقة عازلة في الجنوب السوري لأنه يعلم أن هذا الأمر سيقوض من حالة الإستقرار التي تسعى إليها سوريا ومعها دول العالم الحر وهو ما يعطي الرئيس الشرع ميزة تفاوضية ضد إسرائيل.
أما علي (دكتور جامعي) فقد حاول في حديثه مقاربة الموضوع من زاوية مختلفة تلحظ غياب المسار الديمقراطى فى سوريا والذي كان يمكن لرئيس المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع أن يتسلح به في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية لو لم يحتكر كل الصلاحيات في يديه.
وختم الدكتور علي حديثه بالاشارة إلى أن وجود حكومة اللون الواحد والتي قوامها “هيئة تحرير الشام” وعدم وجود تشاركية سياسية ومجلس شعب ينتخبه السوريون أفقد الرئيس الشرع ميزة الاستناد إلى قوة شعبية في مفاوضاته مع إسرائيل التي تستطيع أن تقول بأن إقامة المنطقة العازلة في سورية نتيجة طبيعية لوجود حكومة فصائل جهادية متشددة يمكن أن تقوم بحركة شبيهة ب” السابع من أكتوبر” وإن كان بنسخته السورية هذه المرة كما تزعم إسرائيل.
المصدر: RT

