بناء عشوائي وأزمة سكن تتفاقم في طرابلس وتكشف عجز الدولة والقطاع الخاص

البناء العشوائي يغزو المدن الليبية وسط توقف مشروعات الإسكان الحكومية

ليبيا – مع مرور أكثر من عقد على توقف مشروعات الإسكان الحكومية في ليبيا، تتفاقم أزمة السكن في العاصمة طرابلس، حيث يشهد السوق توسعًا غير منضبط للبناء العشوائي، في مشهد يعكس أثر غياب التخطيط وضعف التنظيم الحضري.

توقف مشروعات الدولة وتفاقم أزمة السكن
في ظل هذه الأزمة، حاول القطاع الخاص التدخل لتوفير مساكن بديلة تلبي جزءًا من الطلب المتزايد، إلا أن هذه الجهود غالبًا ما استهدفت الفئات ذات القدرة الشرائية المتوسطة والعالية، تاركة الشرائح الأقل دخلًا تواجه صعوبة في الحصول على مسكن مناسب. وقال وزير الإسكان بحكومة الوحدة أبو بكر عويدات إن نحو 255 ألف وحدة سكنية توقفت منذ العام 2011، إضافة إلى تضرر وحدات أخرى بين عامي 2014 و2019 بسبب النزاعات، مؤكدا أن نسب الإنجاز في المشاريع القائمة تتراوح بين 10% و60% فقط.

مبادرات حكومية دون نتائج ملموسة
وأشار عويدات إلى أن مصرف ليبيا المركزي خصص خمسة مليارات دينار سنويًا لاستكمال المشاريع السكنية على مدى خمس سنوات، في محاولة لمعالجة الأزمة، لكنه شدد على أن التمويل مجرد خطوة أولى تحتاج إلى إدارة فعالة وخطط واضحة. ويرى المحلل المالي جمعة المنتصر بالله أن التمويل وحده لا يكفي من دون رقابة صارمة والتزام بالمواصفات، لتجنب تكرار أسباب التعثر السابقة.

ضغط متزايد على القطاع الخاص وارتفاع الأسعار
وبحسب المنتصر بالله، فإن استمرار تعطل المشاريع الحكومية يزيد الضغط على القطاع الخاص الذي يقدم وحدات سكنية محدودة وبأسعار مرتفعة لا تتناسب مع غالبية السكان. ويشير المقاولون إلى تحديات تشمل ارتفاع أسعار الأراضي والمواد الإنشائية وتعقيدات قانونية وإدارية تعرقل التنفيذ.

طرابلس.. فوضى عمرانية واتساع البناء العشوائي
في شارع الخلاطات بطريق المطار، قال المواطن عباس القبائلي إن البناء العشوائي مستمر يوميًا، وإن غياب الرقابة أدى إلى اختلاف كبير في ارتفاع وتصميم المباني، ما يجعل المشهد العمراني فوضويًا ويزيد من صعوبة توفير الخدمات الأساسية.

ارتفاع الأسعار يدفع الأسر إلى أطراف المدينة
وذكر رياض الجيلاني، من جنوب طرابلس، أن أسعار الشقق تجاوزت 200 ألف دينار، فيما تعاني المناطق الطرفية من غياب الخدمات الأساسية، ما يضع الأسر محدودة الدخل أمام خيارات صعبة. ويرى وسطاء عقاريون أن القطاع الخاص حاول توفير بدائل، لكنها بقيت خارج القدرة الشرائية للغالبية.

الجنوب الليبي.. الطلب أقل لكن التحديات أكبر
وفي سبها، أوضح الخبير العقاري عبد الرزاق الحسناوي أن قلة الأراضي وغياب الخدمات الأساسية ترفع كلفة البناء، مشيرا إلى أن مشاريع الإسكان الحكومية شبه متوقفة، ما يجعل القطاع الخاص يتقدم ببطء شديد لتجنب الخسائر.

الحاجة إلى تنظيم السوق ووضع استراتيجية وطنية
ويرى المحلل الاقتصادي عبد الله الحضيري أن حل أزمة السكن يتطلب خطة متكاملة تشمل تنظيم السوق العقاري وتشديد الرقابة على البناء العشوائي. وتقدّر وزارة التخطيط العجز التراكمي في الوحدات السكنية بنحو نصف مليون وحدة حتى عام 2020، في ظل توقف الشركات الأجنبية منذ 2011 نتيجة الخسائر والتوتر السياسي.

خبراء: الحلول الجزئية غير كافية دون تخطيط حضري شامل
الخبير العمراني علي قاضي شدد على ضرورة وضع استراتيجية وطنية تشمل دعم القطاع الخاص، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتخصيص أراضٍ للبناء المنظم، وفرض رقابة صارمة لمنع الفوضى العمرانية. وأكد أن التنسيق بين الدولة والقطاع الخاص ضروري لضمان وصول المشاريع إلى المستحقين وليس فقط إلى الفئات الأعلى دخلاً.

القطاع الخاص بين ارتفاع التكاليف وتراجع القدرة الشرائية
وقال مفتاح الرحيبي، صاحب شركة عقارية، إن المخططات العمرانية متوقفة، وإن مشاريع الجيل الثالث لم تُستكمل منذ 2011، بينما تتوسع ظاهرة البناء العشوائي على حساب الأراضي الزراعية. وأوضح أن أسعار المساكن قفزت من 75 ألف دينار قبل 2011 إلى أكثر من 200 ألف في الوقت الحالي، لتصل في بعض الأحياء إلى 400 ألف دينار، في ظل تراجع القوة الشرائية للمواطنين.

Shares