ليبيا – نشر موقع ” البيرو ” الاعلامي للصحافة تقريراً مفصلاً رصد ووثق من خلاله وجود حالات للزواج العرفي فى مدينة سبها .
وقام الموقع المعروف ايضاً باسم منصة البيرو خلال اعداد التقرير بمقابلة عدد من ضحايا هذه الظاهرة اضافة لبعض مسؤولي المدينة الذين حاولوا تقديم اجابات للتساؤلات التي تدور حولها .
إلى التقرير وفقاً لما ورد فى التحقيق الصحفي لموقع ” البيرو ” :
لا أحد يعلم التركيبة الديموغرافية المعقدة للجنوب الليبي حتى الأن, فما بالك بالسكان المحليين والبسطاء منهم الذين كان ذنبهم الوحيد هو البحث عن الشريك الحاضن والمُحب.
أ.عائشة ميلاد باحثة إجتماعية وموظفة في مكتب الشؤون الإجتماعية – سبها تقول بإن محدودية الحركة لدى المرأة في سبها وعدم معرفة أغلب السيدات اللاتي يتزوجن زواجاً عُرفياً بوجود مكتب للشؤون الإجتماعية في سبها ساهم في رواج هذا النوع من الزواج.
رغم أن المكتب موجود منذ سنة 1968 ولكن أغلبهن لا يعلمن بضرورة أخد الموافقة من المكتب ليتم توثيق زواجهن. وأن بعض الحالات للزواج العُرفي في سبها تكون بسبب الإرتباط بشريك ماوراء الحدود الجغرافية فيكون الزوج ذو جنسية سودانية أو تشادية أو نيجرية … إلخ. وأحياناً يصعب على البعض منهم توفير الأوراق المطلوبة لزواج موثق و رسمي بسبب عدم وجود سفارة لبلده في ليبيا.
ماهية الزواج العُرفي
في مقابلة مع كبير ُكتاب المحكمة الإبتدائية في سبها السيد عبدالناصر عدنان يقول أن الزواج العرفي هو أي عقد للزواج تم إبرامه دون توثيق رسمي حتى وإن كان بعلم الأهل و الأقارب, حيث يعتبر الزواج العرفي شرعياً طالما توفر فيه شهود وولي أمر للمرأة في حالة كانت بكراً أو بدون ولي أمر في حالة كانت أرملة أو ُمطلقة.
يواصل السيد عبدالناصر بأن الزواج يعتبر شرعياً غير أنه غير موثق رسمياً لدينا حيث يترتب على هذا النوع من الزواج العديد من المشاكل القانونية الشائكة كعدم وجود اوراق رسمية لتسجيل الأبناء وعدم وجود ضمانات لحقوق الزوجة في الميراث والنفقة وغيرها في حال إستمرار الزواج ُعرفياً ودون توثيق.
هذا الزواج ليس جديد على ليبيا وموجود في العديد من المدن الليبية بنسب متفاوتة
حيث يُكمل بأن السكان المحليين بدؤوا يلجأون لهذا النوع من الزواج لعدة تطورات معقدة طرأت على النسيج الإجتماعي في الجنوب الليبي ودول ما تحت الصحراء, حيث يُعزي هذا لعدم إستكمال العديد منهم أوراق الرقم الوطني الخاصة بهم بسبب الإجراءات التفصيلية المعقدة للمواطنين وغير المواطنين الذين قام القذافي بتوطينهم في الإقليم الجنوبي القاصِ.
اًيضاً هناك الكثير ممن هم غير ملمين بالإجراءات الرسمية للزواج والذين يجهلون السن القانونية المسموح بها للمرأة بالزواج – والذي يكون وفقاً للقانون الليبي 18 سنة – وأحياناً يكون بسبب إنتهاء صلاحية ترخيص المأذون الشرعي والذي يواصل مزاولة عمله دون رخصة صالحة فلا يستطيع توثيق الزواج لدينا.
الضحية الأولى
لم أتخيل أن أكون يوم جزء من قصة تتعلق بالزواج العُرفي فقد كنت أعتقد أن قصص الزواج العرفي لا تحدث إلا في المسلسلات المصرية.
أنا طرف ثالث في هذه القصة
هكذا تستهل خديجة 35 عام وأم لأربعة أطفال من سبها حديثها, بأنها ضحية لإرتباط زوجها بإمرأة آخرى بعقد زواج عُرفي دون علمها, والذي قرر أن يخبرها بهذا الزواج بغيةً منه لتوثيق زواجه العرفي في المحكمة بعدما قامت زوجته الثانية برفع قضية لإثبات زواجها والعمل على الإعتراف به رسميا, حيث توضح خديجة بحزن بأنها كانت تُعامل زوجها بطريقة جيدة وتعيش معه بإستقرار رغم تعدد علاقاته غير الشرعية بالنساء واصفةً إياه بالرجلالنسونجيودائم العلاقات الطائشة والمؤقتة.
وتوضح خديجة أن زواج زوجها دام سنة دون علم أي شخص سوى عائلة زوجته وأن الاخيرة رفعت القضية بسبب حملها حسب إدعائها, رغم أنها لا تعتقد بحقيقة وجود حمل حسب إعتقادها.
وقد حكم القاضي بتسجيل الزواج رسميا وقانونياً دون أي رادع قانوني أو مخالفات موضوعة لهذا النوع من الزواج
تُردف خديجة بمرارة ظاهرة بأنها فرت بعد كل هذا مع زوجها إلى طرابلس لإبعاده عن طليقته التي طلقها بعد ضغوطات من عائلته, وفعليا حدث الطلاق في ظل وضع عشوائي وغير معلوم حيث لا تـضمن أن لا يعود إلـيها أو حتى مع غيرها في ظل سهولة إجراء هذا النوع من الزواج, فأكون الزوجة التي هي أخر من يعلم مرة اخرى.
الضحية الثانية
أمينة 30 سنة من مدينة سبها والتي تعتبر الضحية الأولى لزواجها والذي لم تعلم أنه زواج عُرفي وغير موثق لدى المحكمة, حيث تزوجت أمينة في سنة 2009 لدى مأذون شرعي في حي الطيوري في سبها, وبعد أسبوع من زواجها تحصلت على عقد الزواج والذي كانت تظن أنه عقد سليم وموثق.
ولكن بإستياء تقول أمينة أنها وبعد مُضي سنوات أنجبت خلالهم طفلين في المستشفى دون أي ملاحظات او مشاكل وعقب إنجابها لطفلهاالثالت ونتيجة للتشدد في الاجراءات داخل مستشفى سبها الطبي علمت وبمحض الصدفة أن عقد زواجها مزور وغير سليم, فأعلمتها إدارة المستشفى بذلك ومنعوها من تطعيم إبنتها بعد ولادتها مباشرةً لعدم امتلاكها عقد شرعي.
و تواصل أمينة ذات الاصول التارقية الآن رفع قضية إثبات زواجها بعد ان أكدت لها المحكمة عدم صحة عقدها الاول وعدم الاعتداد به وانها كانت ضحية مأذون شرعي انتهت رخصة مزاولته لمهنة المأذون ولذلك لم يسجل زواجها لاعتبار رخصته لاغية.
تقول امينة أنها تعاني الأن بسبب خطأ مأذون شرعي لم يراعي أخلاق مهنته وتركها لسنوات تعتقد أنها تمتلك أوراق رسمية وتضيف أمينة أنها تأسف لعدم وجود قانون يجرم هذا الشخص ويعاقبه.
ليس زواجاً عُرفياً
يصرح السيد علي المليمدي وهو محامي مُختص في قضايا إثبات الزواج برفضه لـ مصطلح (الزواج العرفي) ويفضل بتسميته الزواج غير الموثق , مُحاججاً بأن الزواج الذي يحدث في سبها هو زواج بموافقة ولي أمر الزوجة وحضور شهود لهذا الزواج, بالإضافة إلى وجود مهر يقدم للعروس مما يجعل هذا الزواج هو زواج مكتمل الأركان, أما ما يحول دونه ودون الزواج الرسمي هو عدم توثيقه من قبل المأذون الشرعي فقط, لهذا ربما نختار له إسماً مبدئيا ً كالزواج غير الموثق أو غير المدون في وثيقة رسمية.
كما يضيف السيد “المليمدي” بأن عواقب هذاالزواج كبيرة منها عدم التحصل على ُكتيب عائلة أو شهادة وضع عائلي أو حتى شهائد ميلاد خاصة بالإطفال, حيث يصعب حتى الإنجاب في مستشفى حكومي في ظل عدم وجود عقد رسمي للزوج.
توثيق الزواج اليوم بات لتحقيق أغراض الرعاية الصحية أو توثيق حالات الولادة فقط
لذا يلجأ من تزوجوا ُعرفياً إلى توثيق زواجهم فقط لقدوم مولود جديد أو لعدم تحصله على رعاية طبية أوشهائد و أوراق ثبوتية له.
لماذا سبها ؟
يوضح السيد “المليمدي” بأن أسباب ظهور هذا النوع من الزواج خصيصاً في سبها أو المناطق المحيطة بها كونها مدينة شبه حدودية مع دول أفريقية متعددة الأعراق والأجناس ومختلطة الجذور والأنساب, فأغلب من يلجأؤون إلى عدم توثيق زواجهم كانوا خارج ليبيا وفي مجتمعات لا تشترط توثيق الزواج بشكل قانوني, كما أن عنصر الفقر والجهل بضرورة إعتماد الأوراق الخاصة بالزواج لدى المحكمة هو من ساهم فعلياً في إنتشار هذه الظاهرة بين الأجيال السابقة والحالية.
يُضيف أيضاً بأن تردئ التعليم ونقص التوعية المجتمعية والكيفية في الجنوب ساهم في ذلك بشكل كبير خاصة في الأحياء الفقيرة العشوائية.
المصدر : موقع منصة البيرو للصحافة