ليبيا – بعد مرور أكثر من عام على مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض وأكثر من 9 أعوام على توقيعه مرسوماً رئاسياً بإغلاق معتقل غوانتنامو وتوزيع معتقليه الأقل خطورة على دول أخرى بخلاف دولهم الأصلية الخطر برزت هذه القضية إلى السطح مرة أخرى.
وبحسب تقرير إستقصائي أعدته صحيفة “The New York Times” الأميركية فإن إدارة البيت الأبيض عقدت إتفاقيات صادمة مع نحو 30 دولة لنقل هؤلاء المعتقلين إلى أراضيها وتوطينهم في أماكن مستقرة تسهم في فرص عيشهم فيها بسلام إذ إدعى المسؤولون في هذه الإدارة بأن هذا الحل أفضل من مواجهتهم الإضطهاد والإنجراف إلى التشدد الإسلامي وهو أمر مضى في حينه إلا أنه برز على السطح مرة أخرى بعد قرار من السلطات في السنغال بإبعاد معتقلين 2 سابقين إلى بلدهما الأصلي الذي يعاني من الفوضى وهو ليبيا.
وأضاف التقرير بأن هذا القرار أثار إحتمالية بدء عملية إنهيار نظام التوطين هذا في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فبعد رحلة مؤلمة تم تسليم هذين الليبيين على ما يبدو إلى أيدي زعيم ميليشيا متشددة متهمة بإساءة معاملة السجناء ومن ثم إختفيا لتمثل هذه القضية سابقة مثيرة للقلق وفقاً لمسؤولين سابقين وحاليين فوفقاً لهم فإن الخطر يكمن في أن تحذو باقي الدول حذو السنغال في إبعاد قسري لأكثر من قرابة الـ15 من المعتقلين السابقين الذين تم إعادة توطينهم في عهد أوباما إلى أوطانهم وتحديداً إلى مناطق غير مستقرة.
ونقل التقرير عن هؤلاء المسؤولين قولهم بأن المعتقلين السابقين المبعدين قسراً قد يصبحون عرضة للقتل أو قد ينتهي بهم المطاف وقد أصبحوا تهديداً لأنفسهم فمصيرهم غير المحدد يفتح فصلاً جديداً من الإنحدار الممتد من قرار إدارة الرئيس بوش الإبن القاضي بجلب المئات من الناس المتورطين أو المرتبطين بهجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001 إلى خليج غوانتنامو للتحفظ عليهم هناك لسنوات طويلة من دون محاكمة.
وأضاف التقرير بأن كلاً من إدارة الرئيسين الأسبق جوج بوش الإبن والسابق باراك أوباما قررت بأن العديد من هؤلاء المعتقلين هو بمستوى منخفض جداً من إستمرار التحفظ عليهم لكنهما تجنبتا إراسلهم إلى بلدانهم الأصلية لاسيما القادمين من بلدان خطرة مثل ليبيا واليمن ليبقى إنهيار إعادة التوطين لهؤلاء في السنغال على الأقل شاهداً على سوء التنظيم الذي تضررت منه وزارة الدفاع الأميركية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم.
ووفقاً للتقرير فقد إستحدثت إدارة الرئيس باراك أوباما مكتباً مركزياً على مستوى عال ليتولى قيادة عملية مراقبة المعتقلين السابقين إلى أجل غير مسمى والتعامل مع كافة المشاكل المتوقعة الحدوث في هذا الإطار ليقوم ريكس دبل يو تيلرسون أول وزير خارجية في عهد ترامب بإغلاق هذا المكتب وتوزعت مهامه هذا المكتب على القائمة الطويلة لمهام السفارة الفردية وكان من المفترض أن تقوم بها محل المكتب.
وقال السفير السابق دانييل فرايد وهو المبعوث الخاص الأول الذي تفاوض بشأن عمليات نقل المعتقلين في عهد إدارة الرئيس أوباما:”هذا ما سيحدث عندما تغلق سجن غوانتانامو لأسباب سياسية لقد إستنتجت الدول بأننا لا نهتم بالأمر بعد الآن ولا توجد متابعة”.
من جانبه أكد مسؤول في وزارة الخارجية بتصريح شريطة عدم الإفصاح عن هويته لأن القضية محل النقاش حساسة بأن فرضية الأهمال غير واردة لأن الولايات المتحدة لا زالت تأمل في أن تكون عمليات إعادة التوطين دائمة مصراً على أن الديبلوماسين الأميركيين سيبقون منخرطين في التنسيق مع الحكومات المستضيفة لتقديم الإستشارات بشأن القضايا التي ستبرز والخطوات القادمة في حال لم تعد إعادة التوطين ذات جدوى.
وتحدث التقرير عن سير البعض من عمليات التوطين بشكل حسن فالبعض من المعتقلين السابقين تعلموا لغاتهم المحلية الجديدة ووجدوا الوظائف وتزوجوا إلا أن البعض الآخر وجدوا وعورة في دربهم ففي دول مثل الأوروغواي وكازخستان ناضل المعتقلون السابقون ليتأقلموا مع الحياة هناك وإشتكوا من قلة الدعم والبعد عن أقاربهم وإجراءات الأمن المشددة وفي دول أخرى مثل غانا يبدو وأن المعتقلين السابقين بحال أفضل لكن الحكومة هناك تتعرض لإنتقادات شديدة من المعارضين السياسيين بسبب قبولها توطين هؤلاء.
وفي الوقت الذي لم يعترض فيه السيد الغريبي على الأمر ففي النهاية تكون ليبيا محل إعادة إجتماعه بأسرته أعرب السيد خليفة عن مخاوفه من القتل لمراسل الصحيفة الأميركية لتقوم سلطات الأمن في السنغال بعد ساعات من هذه المقابلة وفقاً للجيران بأخذ الرجلين بعيداً ليناشد السيد الغريبي في وقت لاحق من ذلك الإسبوع الذي تم فيه إبعاده مع خليفة وخلال تواجده في المطار في تونس متوقفا على ما يبدو في طريقه إلى ليبيا منظمة لحقوق الإنسان إلا أن المجموعة لم تسمع أي شيء عنهما بعد ذلك.
وأضاف التقرير بأن مصير السيد خليفة يبدو غامضاً هو الآخر ففي بادئ الأمر أخبرت السلطات السنغالية لي ولوسكي المبعوث الخاص السابق للخارجية الأميركية بشأن إغلاق معتقل غوانتنامو والمفاوض حول تفاصيل إعادة توطين الليبيين بأن خليفة لن يتم إبعاده قسراً ولكن يبدو الأمر الآن مختلفاً فعلى مايبدو بأنه هو الآخر قد تم إرساله إلى تونس وفي نهاية المطاف يبدو أن الرجلين قد رحلا منها إلى طرابلس لتتحفظ عليهما ما وصفها التقرير بـ”ميليشيا معادية” وفقاً لمصدر إستخباراتي في حكومة الوفاق الجسم المؤقت المدعوم من الأمم المتحدة.
ومضى التقرير بالتوضيح بأن التأكيدات بشأن الرجلين لم تأتي فقط من هذه الحكومة التي لا تمارس سلطة حقيقية بل عن طريق موظف في الخطوط الجوية الليبية ففي سياق منفصل أشار المتحدث في الخطوط الجوية الليبية إلى أن كلا الرجلين توجها برحلتهما من تونس إلى طرابلس رغم عدم علمه بما حدث لهما لاحقاً فيما قال السيد ولوسكي بأن المسؤولين السنغاليين أخبروه لاحقاً بأن السيد خليفة لم يعد في السنغال بعد الآن رغم أن المسؤولين قد جدولوا موعداً لترحيله بعد عدة أيام من ترحيل السيد الغريبي.
وخلال التواجد في مطار تونس قام أحد الرجلين إذ لم يتم تحديد أيهما بالإحتجاج بصوت عال وأدمى رأسه من خلال ضربه بسطح حاد وفقا لما أفاد به المسؤول الإستخبارتي والموظف في الخطوط الجوية الليبية فالمعتقلين السابقين أرادا أن تكون الرحلة إلى مصراتة الواقعة على بعد 130 ميلاً شرق العاصمة طرابلس بدلاً من الأخيرة التي حاولا تجنبها لأنها تحت سيطرة عبد الرؤوف كارة وهو قائد ما وصفها التقرير بـ”الميليشيا” ويدير معسكر إحتجاز لمحاربة الإرهاب تقول مجموعات حقوق الإنسان بأن المعاملة سيئة فيه.
ووفقاً للمصدرين فإن كارة قد تم تكليفه بالتحفظ على المعتقلين الإثنين وأرسل مجموعة من الحراس إلى تونس لمرافقتهما والعودة بهما ولتكون الصورة أكثر غموضاً فقد صرح لاحقاً أحمد بن سلام المتحدث بإسم مجموعة كارة (الناطق باسم قوة الردع الخاصة) نافياً التحفظ على هذين الرجلين قائلاً للصحيفة الأميركية باللغة الإنجليزية:” أظن بأنهما لدى الخابرات” والأخيرة لفظها باللغة العربية رافضاً الإدلاء بمزيد من التوضيحات فيما قدم ستيف ياغمان وهو محام سابق مثل السيد الغريبي في غوانتنامو في سنين مبكرة شهادته بشأن الموضوع.
وأشار ياغمان في تصريح بعد نشر هذا التقرير على شبكة الإنترنت إلى أن موكله السابق وزوجته أخبراه خلال الإسبوع الماضي بأن السيد الغريبي كان في غرب ليبيا مع أسرته ولم يناقش كلاً منهما رحلته فيما رفض السيد ياغمان الإفصاح عن طريقة تواصله مع الزوجين.
ووفقاً لرمزي قاسم إستاذ القانون في جامعة مدينة نيو يورك والممثل للسيد خليفة فإن القانون الدولي يمنع إرسال الناس قسرياً لأماكن قد يتعرضون فيها إلى إنتهاكات محملاً الولايات المتحدة والسنغال مسؤولية أي أذى يلحق بالسيد خليفة أو قد يعاني منه ولكن القضية كانت أكبر بحسبه قائلاً بهذا الخصوص:” إذا ما فسرت الدول التي أخذت معتقلين سابقين من غوانتنامو الصمت الأميركي إزاء مافعلته السنغال من خطأ على أنه عدم إهتمام من إدارة ترامب لتعهدات سابقة “.
وأضاف بأن موكله تم إخباره لأول مرة في يناير الماضي بأن بقائه في السنغال قد يكون غير متاح ليقوم السيد قاسم بإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني لسفارة الولايات المتحدة من دون تلقي أي رد بالخصوص ليتم إخبار الرجلين في الـ26 من مارس بشكل كتابي بأنهما سيُرحلان.
وأضاف بالقول:” بأن ما سيحصل لا يمكن أن يكون أي شيء أقل تفضيلا للمثل الإنسانية التي تدعيها الولايات المتحدة ولا حتى الأهداف الأمنية التي تعلنها في كثير من الأحيان”.
وفي بيان لوزارة الخارجية قالت الأخيرة فيه: كررنا لحكومة السنغال توقعاتنا بأنها ستحترم تعهداتها الدولية وستحترم كلا الشخصين ونحن نتعاون بشكل وثيق مع شركائنا الأجانب للتأكد من أن المعتقلين السابقين في غوانتنامو لا يشكلون تهديداً للولايات المتحدة”.
من جانبه يعتقد السيد ولوسكي بأن وزارة الخارجية إبان عهد الإدارات السابقة قد أقنعت السنغال لأخذ خطوات للحفاظ على سلامة الرجلين وجعلت قادتها يحسون بأن الولايات المتحدة تهتم بشأن توطينهما بشكل ناجح مبيناً بأن المخاوف تبرز في ذات الوقت بشأن حقوق الإنسان لأن الأمر على ما يبدو بأن كلا الرجلين قد إنتهى بهما المطاف في زنازين طرابلس وهو أمر يجب أن يكون بمثابة الإنذار.
وأضاف قائلاً:” الإدارتين الأخيريتين للبيت الأبيض حاولتا بشكل مسؤول إطلاق سراح الأشخاص بطريقة أخذت بعين الإعتبار كلا الفائدتين الشرعية والأمنية وحقوق الإنسان ومجرى القانون وهذه النتيجة الحالية تمثل أمراً محبطاً لهذه السياسة”.
وعلى وجه التقريب يمثل جميع المعتقلين السابقين الذي تمت إعادة توطينهم مصدر صداع للحكومات المستضيفة وهي بشكل عام تقدم الدعم الأساسي لهم في الوقت الذي تراقبهم فيه فيما توافق الدول المستقبلة لهؤلاء في العادة على عدم السماح لهؤلاء بعدم السفر لمدة عامين أو 3 وهو أمر ترك إزاء ما سيحدث لاحقا للغموض في وقت تشير فيه خلفيات الأمور إلى وجود أسباب للإعتقاد بأن السنغال ستكون ربما الأولى من بين عدد من الدول لإزاحة هذه العبء عن كاهلها عبر ترحيلها المعتقلين الذين تمت إعادة توطينهم.
هذا وكانت السنغال قد أخذت كلا المعتقلين السابقين من ليبيا وفقاً لإتفاق بين أوباما والرئيس السنغالي ما كي سال في إبريل من العام 2016 والرجلين هما سالم عبد السلام غريبي وعوض خليفة وتم منحهما شقتين للإقامة في داكار مع حراس يعيشون في مكان قريب وحينما زار مراسل الصحيفة الأميركية الرجلين في الـ3 من إبريل الجاري إشتكى السيد غريبي من عدم سماح السنغال لزوجته وأطفاله بالقدوم من ليبيا للعيش معه.
وكلاهما أرادا حصص بقالة أكثر إلا أن إشارات ظاهرة على نجاح إعادة التوطين كانت موجودة فالسيد خليفة على سبيل المثال قد تم إستقباله بحرارة من قبل جيرانه وكان خاطباً لإمرأة وفقاً لما قاله فيما رفض المسؤولون السنغاليون الأمر الذي دفعهم لإتخاذ قرار ترحيل الرجلين.
المصدر : نيويورك تايمز
الترجمة : المرصد – خاص