تبدأ في بيرو، نهاية يناير/كانون الثاني الجاري، بحوثٌ تستكشف إمكانية زرع البطاطا في كوكب المرّيخ. وعلى ذمة وكالة الأنباء الفرنسية التي طيّرت الخبر الأسبوع الماضي، فإن الوكالة الأميركية للطيران والفضاء (ناسا) والمركز الدولي للبطاطا (مقرّه ليما) هما من يعتزمان ذلك، بزراعة تسعة أنواع من البطاطا في منطقةٍ جافةٍ خصائصُ أرضها شبيهةٌ بسطح المريخ، وستتبيّن أولى النتائج في مارس/آذار المقبل. لا يوضح الخبر الموجز المقصد من القصة كلها، ما إذا كانت مجرد تجريبٍ علمي، أم أن ثمّة طموحاً إلى أن يكون كوكب المريخ، في المستقبل البعيد،
مساحة مضافةً لإنتاج البطاطا، أمام الإقبال الواسع في كل العالم على “فاكهة الفقراء”، كما تسمى أحياناً. ولكن، لم تأتِ أخبارٌ على نقصانٍ في تلبية الطلب المهول على البطاطا، السهلة الزراعة، والتي من المدهش أن ثمّة خمسة آلاف صنفٍ منها. وقد أُعلن في مؤتمر عالمي عن شؤون البطاطا، عقد في بكين في يوليو/تموز الماضي، أن الصين التي انتزعت من أميركا المرتبة الأولى في إنتاج البطاطا تنوي رفع محصولها السنوي إلى 130 مليون طن في عام 2020، وهي التي تطرح كل عام 95 مليون طن (ثلث الإنتاج العالمي).
تُرى، إذا زبطت التجربة المرتقبة، في منطقة أريكوبيا في جنوب بيرو، هل يأتي يومٌ، يأكل فيه أحفاد أحفادنا، في غير بلدٍ عربي، بطاطا مستوردة من المرّيخ؟ الذائع أن العرب منتجون جيّدون للبطاطا، وهذه غزة صدّرت، قبل أسابيع، شحناتٍ منها إلى أوروبا، ومنتوج مصر منها في ازدياد. لكن، يعلم الله ماذا ستكون عليه أحوالنا، حمى الله بلاد العرب، ونتعوّذ من أن تنحدر، لا قدّر الله، إلى أن تصير البطاطا شحيحةً، فنضطر إلى استقدامها من كوكب المرّيخ. ونحن العرب، من جميع المنابت والأصول والطوائف والأديان والمذاهب والأعراق، محبّون للبطاطا، واستهلاكنا لها في ازديادٍ مضطرد، ليُسر سلقها وقليها وشيّها، ولسهولة دسّها في طبخاتٍ عديدة، وحضورُها شاسعٌ في موائد الفقراء والأثرياء. وكان مفزعاً، إلى حدٍّ يُضاعف النقمة من بشار الأسد، أن طفلاً سورياً في مخيم لاجئين سئل عن أمنيته في الحياة، فأجاب إنها أنْ يأكل بطاطا مقلية!
والواضح أن الإنسانية تُجمع على محبة هذه السلعة الغذائية، والتي فيما أفادت أبحاثٌ في “هارفارد” بأنها تقي من سرطان البروستاتا والقولون، وتحمي من أمراض القلب والربو، حذّر علماء آخرون من الإفراط في تناولها، فقد يسبّب الإصابة بالسّكري. ولعل هذا الإجماع الإنساني على محبة البطاطا هو ما دفع الأمم المتحدة إلى تسمية سنة 2008 عام البطاطا، “للدفع نحو مزيدٍ من زراعتها، لتساهم في توفير الأمن الغذائي والحد من المجاعات”، على ما قالت المنظمة الأممية في ذلك العام الذي انتظم فيه عشرون مؤتمراً دولياً، اختصّت كلها بمآثر البطاطا، ومنها أنها قاعدةُ غذاءٍ أساسيةٌ لشعوب كثيرة، منذ اكتشفها شعب الإنكا الذي كان يزرعها في مناطق جبال الأنديز، وكان يعتبرها ثمرةً مقدسّة.
وعلى ذمة عارفين، الأوروبيون هم الأكثر أكلاً للبطاطا، وإنْ وصلت متأخرةً إلى موائدهم في القرن السابع عشر، مع مجاعات حرب الثلاثين عاماً. ومن مفارقاتها أنها غالباً ما تقترن بالجوع ومحاربته، وتلك لوحة فان جوخ الشهيرة “آكلو البطاطا” التي رسمها في 1885 تجمع أفراد عائلةٍ فقيرةٍ على صحنٍ وحيد من البطاطا. ومن مفارقاتٍ أخرى، بعيدة عن حكايات جوعى تلك الأزمنة، كان بالغ الغرابة أن يجنح وزيرا الخارجية، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، إلى الحديث عن البطاطا، في أثناء مكالمةٍ هاتفيةٍ بينهما قبل عامين، بشأن الأزمة السورية، حتى إذا التقيا بعدها في باريس، بدأت مباحثاتهما، بشأن الأزمة نفسها، بإهداء كيري نظيره الروسي حبتي بطاطا أميركيتين، أمام كاميرات المصوّرين.
بعيداً عن خراريف كيري ولافروف، لا ننتظر بطاطا المرّيخ، سنبقى نمحض بطاطا فلاحينا في أراضي زرعٍ وخيرٍ عربيةٍ كل حب وثناء.
للكاتب : معن البياري