رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني

الترتيبات الأمنية و الرئاسي و مفترق الطرق القادم !

يعد ملحق الترتيبات الأمنية واحداً من أهم ستة ملاحق مرفقة بالإتفاق السياسي الموقع منتصف ديسمبر 2015 فى الصخيرات المغربية أن لم يكن أهمها على الإطلاق إلا أن التفائل لم يدم طويلاً لدى البعض مع عدم تطبيق أي بند من بنود هذا الملحق إلا تشكيل لجنة أمنية مؤقتة  و هي لجنة الترتيبات الأمنية التى أُختير العقيد عبدالرحمن الطويل لرئاستها و بالكاد نجحت فى تأمين المجلس و إفتكاك بعض الوزارات لصالحه من سيطرة الحكومة الموازية التى كانت و لا تزال تتواجد فى العاصمة طرابلس  .

 
و ينص الملحق السادس و هو الملحق المشار إليه على ضرورة تطبيق ماجاء فى المادة 34 من الإتفاق و المتكونة من أربعة بنود رئيسية و 5 بنود فرعية ينص أهمها على ضرورة إنسحاب التشكيلات المسلحة من المدن و التجمعات السكنية و المنشآت الحيوية خلال ثلاثين يوماً مع البدء فى وضع خطة لتجميع الأسلحة و الذخائر من مختلف إنحاء البلاد خلال فترة مماثلة و هو الأمر الذى لم يتحقق بالمطلق و يبدوا و كأن تحقيقه قد أضحى من المعجزات .

و يرى العديد من المتابعين و المراقبين فى الداخل و الخارج ، أن فشل الرئاسي فى تنفيذ هذه المواد المتعلقة بالأمن سواء الواردة فى الملحق السادس أو فى المادتين 39 و 40 من الإتفاق قد أحبط العديد من داعميه و دفعهم للتراجع خطوات إلى الخلف خاصة كل من علق منهم آماله على أن سحب التشكيلات و أسلحتها من المدن هو الخطوة الأولى على طريق إستعادة الأمن فى البلاد ، تليها خطوات ليس أولها عودة المهجرين و ليس آخرها وضع حد لإستمرار إستلاب المسلحين للمرافق و المنشآت و المطارات وفق مبدأ الغنيمة .

 
و بالوقوف تحديداً عند المادة 40 من الإتفاق السياسي سنجد انها أحد أهم مواده الأمنية لتأكيدها على ضرورة إنسحاب التشكيلات المسلحة من جميع المنشآت الأساسية والحيوية التى ذكرتها بالإسم و هي المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية والمنشآت النفطية ومحطات توليد الطاقة ومنشآت المياه والمقرات الحكومية، إلى مواقع محددة متفق عليها بعد أن يتم تسليمها للجيش و الشرطة و هذا ما لم يحدث بعد 8 أشهر من توقيع الإتفاق و 4 أشهر من تفويض الرئاسي لوزرائه بمهامهم و هو التفويض الذى قطع حجة التعطيل بدعوى عدم نيل الثقة ، بل كانت خيبة الخيبات بتثبيته لبعض المجموعات التى تحتل المدن و الطرق و بعض المرافق سواء بسطوة السلاح او بنفوذ من أعضاء فى الرئاسي كلٌ حسب العضو المقرب منه أو المحسوب عليه و الطرف او الحزب الذي يقف خلفه الأمر الذى يشكل إنتكاسة غير عادية للإتفاق و يشكك فى مدى مصداقية رعاته و الأجسام المنبثقة عنه و التى شاركت فيه بوجود حل من الأساس !

سنفترض هنا حسن نية بعض النواب و الساسة المعارضين للرئاسي بإشتراطهم تنفيذ مواد الاتفاق بحذافيرها و خاصة المتعلقة بإخلاء طرابلس و المدن الكبرى من المجموعات المسلحة و وضع خطة واضحة لجمع السلاح كشرط لمنح الثقة للحكومة . قد تبدوا هذه المطالبات واقعية و عادلة و منطقية فى ظاهرها لا سيما و أنها لم تهبط على من يطالب بها من السماء كونها وردت فى نص الاتفاق ، و لكن باطن صمت الرئاسي و لا مبالاته بهذه المطالبات التى تحولت من مطلب نخبوي الى مطلب شعبي توحي بأمر لا يبشر بخير ، مفاده أن الرئاسي الذى إرتضى قبول المسؤولية يوم وُقع الاتفاق و لم يعتذر عن قبول هذا التكليف و دخل بنفسه و بنا إلى عباب المغامرة ، كان يعلم جيداً أنها المهمة المستحيلة التى قد تعجل بنهايته بل بنسف الاتفاق برمته أن فكر رئيسه حتى فى مناقشتها سراً لا جهراً مع أعضاء مجلسه و هو ما ينذر بكارثة لا سمح الله على مستقبل ليبيا و إقتصادها و شعبها الذى ضاق ذرعاً من فوضى السلاح و حامليه .

و نظراً لما سبق ، و بعيداً عن كل الخروقات التى يقول القانونيين أنها أرتكبت من كل الأطراف الموقعة بالصخيرات و مدى فداحتها ، و نطراً لتراجع حجم الآمال التى علقت على هذا المشروع و هي الإشارة التى يبدوا أن كوبلر قد تلقاها عندما صرح قبل اسبوع ان الدعم الشعبي للرئاسي تراجع . و بمقارنة حجم الحماس الذى تضائل حتى بين أعضاء الحوار السياسي و تدمرهم من ما يعتبرونه أداءاً باهتاً للمجلس مع عجزهم عن معالجة هذه الخروقات فى اجتماعاتهم ما يعد فى حد ذاته خرقاً آخر للاتفاق !

و تأسيساً على ما سبق و هو غيض من فيض ، يبدوا أن الرئاسي قد تحول فعلياً إلى طرف من أطراف الصراع و الخصام السياسي و لا شك فى أنه وضع نفسه فى زاوية لا يحسد عليها بمراهنته على الجواد الخطأ ، حتى ان مغادرته طرابلس فى زيارة عمل إلى تونس ليل الخميس الجمعة الماضي فُسرت على أنها ” نزوح مؤقت ” من الوضع المتوتر بين التشكيلات المسلحة التى حشر نفسه بينها هناك دون أن يرسل أي إشارة حقيقية يطمئن من خلالها شعبه بأن مستقبل أمنه و غذائه المهدد من قبل عتاولة السلاح موضوع على جدول إهتماماته .

 
اليوم و على كل حال و بعد هذه التجربة سواء ان كتبت لها الأقدار النجاح أو الفشل لا سيما مع قرب إنتهاء صلاحية الإتفاق السياسي ما لم يتم تمديده جبراً لعام آخر  ، بات لزاماًً علينا نحن الليبييون أن نبحث جدياً على حل جذري لأزمتنا الراهنة أو تلك التى تلوح فى الأفق بدل إعادة تدوير مخلفات الأزمات فى ظل تدهور الإقتصاد و تفشي الجريمة المنظمة الداخلية و العابرة للحدود و إنتشار الإرهاب الذى لا يبدوا ان الرئاسي يضعه فى سلة واحدة بوضعه شقاً منه فى خانة الثوار الشرفاء الاحرار بينما يضع شقه الآخر فى خانة أخرى يستدعي لها الجيوش و المجاميع المسلحة و حتى الأساطيل الأجنبية ..  عليه .. ختاماً ، قد يبدوا سيناريو إنهاء عبث المراحل الإنتقالية التى كلفت خزائن الدولة عشرات المليارات و الذهاب إلى صناديق الإقتراع و جمع صناديق الذخيرة و إعدامها كما حدث فى رواندا و البوسنة و لبنان و بضمانات دولية كتلك التى بذلت لتثبيت اتفاقية الصخيرات لينتخب الشعب رئيسه و مشرعيه هو الطريق الأقل خسارة فى مفترق الطرق الذى نقف عليه اليوم .

 

الكاتب : موفق الرحال

22 أغسطس 2016

Shares