ليبيا – أثار حديث رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله عن الأوضاع في المرافق والموانى النفطية الواقعة في نطاق سيطرة القوات المسلحة بالقيادة العامة ، ردود فعل مستنكرة من أكبر أربعة شركات محلية عاملة في هذه المناطق تقول بأنها تعمل بكل راحة ويسر في ظل تصاعد إنتاجها إلى قرابة 1.2 مليون برميل نفط يومياً تضاف لها كميات أخرى من الغاز والبتروكيماويات.
وقالت هذه الشركات وهي رأس لانوف ، سرت ، الجوف ، والخليج العربي ، في بيانات منفصلة بأن الأوضاع في المرافق النفطية مستتبة للغاية وبأن طرد الجيش للجماعات التي كانت تسيطر على هذه المرافق وتبتز الدولة والعاملين في القطاع النفطي أدى إلى عودة الإستقرار بمستويات الإنتاج لسابق عهدها .
وقال صنع الله الأسبوع الماضي إن “الأعمال العدائية التي اندلعت مؤخرا تشكل خطرًا على عملياتنا وتهدد كلّا من الإنتاج والاقتصاد الوطني”. في وقت لا يخفي فيه محاولاته لإقحام نفسه و القطاع في صراع سياسي لطالما كان يزعم حرصه على عدم حدوثه .
واتهمت المؤسسة قيام “عدد من الأفراد المسلحين باقتحام مهبط طائرات تابع للمؤسسة الوطنية للنفط والاستيلاء عليه، واستخدام بعض السفن الحربية والعسكرية للموانئ النفطية”.
وتزامنت تصريحات صنع الله مع تسريبات ومزاعم نشرتها قناة الجزيرة القطرية نقلاً عن مصادر مجهولة لم تسمها عن دخول بارجة فرنسية إلى ميناء رأس لانوف النفطي زاعمة بأن هذه البارجة قد قامت بعملية إنزال وقد إستمرت القناة في ضخ هذه الأنباء منذ مساء 25 أبريل وحتى أمس الأحد دون وجود أي دليل أو حتى صور !
وتزامناً مع هذه التسريبات ، تداولت وسائل إعلام وصفحات فيسبوك موالية لحكومة الوفاق ولجماعة الإخوان المسلمين صوراً على أنها للبارجة الفرنسية المزعومة وهي متراكية في مرفأ رأس لانوف ، ليتبين بأن هذه القطعة هي الخافرة الليبية التي تحمل إسم ” الكرامة ” !
ومن جهته قال اللواء أحمد المسماري لـ المرصد بأن رسو هذه القطعة لبعض الوقت في أقصى ميناء رأس لانوف بعيداً عن حركة النواقل النفطية بما يضمن سلامة الجميع يعد أمراً طبيعياً بالنظر للظروف الأمنية والتهديدات التي تتربص بقوت الليبيين وقال متسائلاً : ” هل تريد الجزيرة والسيد صنع الله أن نحمي المورد الوحيد للشعب الليبي من جحافل الإرهاب واللصوص بالحجارة ومسدسات المياه مثلاً ؟! ” .
ومنذ منتصف العام إتسمت العلاقة بين صنع الله والقوات المسلحة بالسوء والتوتر عقب الهجوم الذي شنته بقايا قوات جضران وسرايا الدفاع مدعومة بالمعارضة التشادية ، أدانت المؤسسة الهجوم وطالبت بإخراج المعتدين ولكنها عادت وهاجمت الجيش عندما قرر تعليق التصدير لحين التحقق في أوجه صرف الإيرادات النفطية من قبل حكومة الوفاق وقواتها لاسيما وأن القوات المهاجمة أعلنت تبعيتها حينها لهذه الحكومة .
ويعرف عن صنع الله بأنه شخص ” متوتر ” غالباً ما يخلط بين مشاعره وخلافاته الشخصية وبين العمل العام والمصلحة العليا لقطاع النفط ، وكان آخر فصول هذا المشهد في الخلاف الذي دار مع المجموعة التي أغلقت حقل الشرارة مطلع العام حيث جعل صنع الله المشكلة ما يشبه خلافاً شخصي بينه وبين هذه المجموعة ورفض فتح الحقل حتى عندما توافرت الظروف وكان يحاول في الأثناء التعاقد مع شركة حماية بريطانية خاصة لحمايته .
مقطع فيديو للخافرة الكرامة يظهر تفاصيلها بشكل متطابق مع البارجة الفرنسية المزعومة :
تعاقد صنع الله مع السفير البريطاني السابق لدى ليبيا ” بيتر ميليت ” كمستشار له وللمؤسسة وهو السفير المعروف بمواقفه المتعنتة تجاه القوات المسلحة والقيادة العامة ويبدوا بأن إستشارات ميليت تتجاوز العمل الإقتصادي إلى أبعد من ذلك في وقت يتحدث فيه باشاغا وآخرين من حكومة الوفاق على رسم خارطة واقع جديد في مستقبل الأيام .
ظهر يوم أمس الأحد علمت صحيفة المرصد بأن صنع الله غادر من مطار أتاتورك في أسطنبول في زيارة غير معلنة إلى الولايات المتحدة يرافقه إثنان من مستشاري الرئاسي ، زيارة تأتي بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مكالمته مع المشير خليفة حفتر وإشادته بدور الجيش في تأمين النفط .
في الأثناء ظهر القيادي الليبي الأمريكي في جماعة الإخوان المسلمين عصام عميش خلال حديث صحافي مصور من واشنطن يرفض فيه إستمرار سيطرة القوات المسلحة على منابع ومصبات النفط داعياً لإعادة السيطرة عليها لحكومة الوفاق كونها الحكومة الشرعية كما يعتبرها هو ، موقف جاء شبه متطابق مع كتبه اليوم المستشار المنشق عن القيادة العامة محمد بويصير الذي أرسل رسائل ضمنية بضرورة سيطرة حكومة الوفاق على النفط ومنابعه في ظل تصاعد أزمة الطاقة بين الولايات المتحدة وإيران والتوتر الحاصل في خليج هرمز .
وفي المجمل تأتي هذه الحملة وكأنها عمل منسق يسبق عملاً آخر خاصة مع المعتقد السائد لدى حكومة الوفاق وقادة مؤسساتها بمن فيهم فتحي باشاغا بأن المجتمع الدولي قد سحب البساط من تحتهم ما يعني لهم ضرورة تحقيق شيئ على الأرض يظهرون به مع نوع من القوة أمام هذه الأطراف الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ولذى يبدوا أن إقحام مصطفى صنع الله لنفسه في هذا الجدل أو على الأقل إقحامه من قبل آخرين له يبدوا منطقياً .
وفي مطلع العام الجاري كشفت المؤسسة في بيان على موقعها الإلكتروني تسجيلها متوسط انتاج يومي بلغ 1.107 مليون برميل خلال عام 2018، وهو ما جمع ايرادات بقيمة 24.4 مليار دولار خلال العام، محققة بذلك أعلى إيرادات منذ خمس سنوات، حيث تقدر قيمة الزيادة بحوالي 78% مقارنة بعام 2017 وهي قيمة لم تحققها على الإطلاق إلا عندما سيطر الجيش على المناطق النفطية وسلمها لها كجهة مشرفة على الإنتاج والتسويق .
ومع كل هذا يبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة :” هل إنخرط صنع الله في التمهيد لعمل مسلح ما هدفه محاولة إعادة بسط حكومة الوفاق بقواتها التي تواجه المتاعب في المنطقة الغربية على منابع ومصبات النفط الواقعة بعيداً عنها خاصة مع محاولة العمل التخريبي الذي إستهدف صباح اليوم حقل الشرارة ولتنفيذ الواقع الجديد الذي يتحدث عنه قادتها؟
أم أنه بات طرفاً من أطراف الصراع السياسي في البلاد ويجر المؤسسة الوطنية للنفط كمؤسسة وطنية عريقة في أتون هذا الصراع وتوظيفها خدمة لتيار الإسلام السياسي وهو المتهم بإعتناق أفكاره أسوة بصديقه عبدالباري العروسي ؟ أم أنها مجرد مناورة يجدد بها الولاء لحكومة الوفاق بما يضمن له البقاء أطول مدة في منصبه خاصة مع عدم صحة تعيينه أصلاً من طرف حكومة الإنقاذ الموازية لا سيما وأن هذا المنصب مشمول بالمناصب التي يجب تغييرها وفق الإتفاق السياسي الفاشل ؟ ” .
المرصد – خاص