ليبيا – حظيت المبادرة التي تقدم بها رئيس المجلس الإستشاري ، القيادي في حزب العدالة والبناء خالد المشري برفض وردود فعل سلبية واسعة عمت وسائل التواصل الإجتماعي إلى درجة السخرية كالتي أثيرت يوم إعلان ما أسماها ” إستقالته من جماعة الإخوان المسلمين ” وهو لفظ لا وجود له من الإساس في أدبيات الجماعة وموروثها إلا لمن كان له منصب فيها تركه وسلمه غيره كمنصب المراقب أو المرشد أو مسؤول القُطر .
ونصت مبادرة المشري في أبرز ماجاء فيها على ما أسماها مرحلة إنتقالية أخيرة مدتها 14 شهر يجري خلالها وفقأ لمدد زمنية محددة تعديل الإعلان الدستوري بالتوافق ما بين مجلسه ومجلس النواب المذكور في الإتفاق السياسي وهذا يعني أنه يقصد المجلس الموازي غير المعترف به دولياً في طرابلس و تتصدره قيادات من الجماعة مثل عضو مكتب مراقبها سعد الجازوي وعلي أبوزعكوك وموالين إسلاميين مثل علي السباعي وآخرين .
https://youtu.be/LAl4y7Sc-hc
وقبل الإنتخابات ، نصت المبادرة التي لم تكن لتصدر لولا موافقة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها أيضاً على تعديل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة برئيس منفصل عن الرئاسي ما يعني الإطاحة بحكومة السراج الحالية وتقليص صلاحيات الأخير ومنحها لرئيس حكومة يأتي من خلال توافق ما بين مجلسي النواب والدولة أو بصيغة أخرى بتوافق ما بين الجماعة هنا والجماعة هناك على أن يقوم المجلسين بتحديد الميزانية العامة اللازمة لعملها ، وستكون بالمليارات دون أدنى شك خلال الـ 14 شهر .
وإذ أن حديثه في الشق الأمني والعسكري عن ضرورة إنسحاب الجيش من طرابلس بل ومن ترهونة والعودة إلى مناطق ماقبل 4 أبريل وكأنه يتحدث عن فلسطين ومناطق ماقبل 67 هو حديث لا يستحق الوقوف عليه – وفقاُ للكثيرين – فأن الأهم في كل هذا هو القاعدة الدستورية التي يقترح المشري أن تجري وفقها الإنتخابات ، حيث تنص على إجراء إنتخابات برلمانية ومجلس شيوخ ورئاسية بتعديل الإعلان الدستوري دون إستفتاء على مشروع الدستور والإكتفاء بترقيع الإعلان من خلال دسترة مادة الحكم من المشروع .
إذاً المشري أخيراً بات لا يمانع في إنتخابات دون الإستفتاء على مشروع الدستور ووفقاً لما جاء في مقدمة حديثه عن مبادرته فأن الإستفتاء يتعذر تنفيذه حالياً دون أن يوضح الأسباب ليعود بذلك إلى حيث كان يقف قبل 4 أبريل متصلباً ورافضاً مع جماعته لأي طرح مماثل كان سيجنب البلاد على الأكيد الحرب الدائرة الحالية التي ماكانت لتكون لولا إنسداد العملية السياسية وتصلب مواقف مجلس الدولة ومن خلفه الحزب والجماعة والجماعات ، حتى أن أحد المعلقين قد شبّه هذا الموقف بالمثل الليبي القائل “: بعد إتخذ دار بندقة ” .
ومن المواقف التي يجب التذكير بها طالما أعادها المشري بنفسه إلى الذاكرة هي رفضه القطعي لأي إنتخابات تجرى على أساس تعديل الإعلان الدستوري وقرار مجلس النواب بشأن إنتخاب رئيس مباشر ، فمن ينسى مثلاً قوله والكلام مقتبس على لسانه عبر قناة الجزيرة القطرية في يونيو 2018 { والله لم أقرأ الدستور ولكن سأذهب للتصويت بنعم وكل من استطيع التأثير عليه من عائلتي او اصدقائي سأدفعه ايضاً للتصويت بنعم ! } .
https://youtu.be/pWEHvEoouAo
ومن ينسى الحملات التي شنها حزب العدالة والبناء على كل من كان يقترح قبل 4 أبريل إجراء إنتخابات مبكرة على أساس مماثل لما طرحه المشري اليوم بل وتلويحهم لمجلس النواب بورقة حكم المحكمة الذي يعتبرون بأنه ينص على حل المجلس والعودة إلى أسطوانة برلمان طبرق المنحل ؟ ثم من سينسى حديث المبعوث غسان سلامة على أن المسودة غير متوافق عليها وأن الإنتخابات بتعديل الإعلان الدستوري يمكن أن تكون حلاً يجنب البلاد ما هو أسوأ وقد وقع الأسوأ بالفعل ؟
وهل من المنطقي أيضاً نسيان الضغوط التي مورست من قبل الإسلام السياسي وإعلامه وحتى بعض ” مليشياته ” على السراج لدفعه إلى موقف مماثل حتى أوقفوه إلى جانبهم في طابور الإنسداد ونُسف إتفاق أبوظبي الذي كان ينص على الإنتخابات ومن قبلها مطالبتهم له بتمويل مشروع الإستفتاء على الدستور قبل تمويل مفوضية الإنتخابات وإنتهى الحال إلى عدم تمويل الجهتين وإنسدت الطرق وإندلعت الحرب ؟! .

هذا رأي ، اما الرأي الآخر فيقول أصحابه :
” ولنسلم جدلاً أن هذه المبادرة التي ستبقي كل هذه الأجسام البالية مع مولودها الجديد ( الحكومة الجديدة ) جاثمة على صدورنا 14 شهراً بأساسها الدستوري الترقيعي ، تقر خلالها ميزانية ستنهب كسابقاتها وتتأخون فيها المناصب السيادية حتى النخاع ، ستكون حلاً سياسياً ناجعاً ، ولمَا كانت تنص على أن مجلسي النواب الموازي والدولة هم آخر من يخرج من المشهد في الشهر الـ13 وتسليم السلطة بعد الإنتخابات ، فما الضامن لنا أن لا يعود المشري إلى عادته بتقديم الطعون إلى المحاكم ونسف كل ما تحقق كما فعل سنة 2014 عندما كان عضواً بكرسي يتشبث به في المؤتمر العام منذ صيف 2012 ووافق على التعديل الدستوري الذي أنتخب به مجلس النواب ورقص فرحاً على إقراره ثم توجه بعد أسابيع إلى المحكمة وإنتزع حكماً فسره على أنه بطلان للإنتخابات وأدخلنا فيما نحن فيه اليوم”.

يقول أصحاب هذا الرأي أن الثقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الذي يزعم عدم صلته بها منعدمة تماماً ولا يمكن قبول أي شيئ منهم حتى ولو أقسموا عليه بأغلظ الأيمان ، في لقاء سابق مع المرصد قال نائب رئيس المؤتمر حينها عزالدين العوامي :” كنت في الجلسة يوم 11 مارس 2014 وشاهدت المشري وهو يصفق فرحاً بإقرار التعديل الدستوري لكي نخرج من المشهد بعد إنتهاء ولايتنا وينتخب الليبيون برلمانهم الجديد ، ثم صدمت أن المشري نفسه ذهب إلى المحكمة مع عبدالرؤوف المناعي وقدما طعن في الإعلان الدستوري بحجة عدم دستورية مادة فيه ، أيقنا لاحقاً أنهم أوقعوا الجميع في فخ ” .
https://youtu.be/d_IFh7uoogo
وبالحديث عن الفخاخ ، يُقاد المتتبع الجيد تلقائياً إلى حديث رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان خلال جلسة مناقشات مغلقة بمدينة مصراتة سنة 2015 حول الإتفاق السياسي في فترة صياغته ووجود أطراف في المدينة من الحضور كانت تعارضه وكان لصوان قوله الشهير ” لقد فخخنا الإتفاق لصالح المؤتمر ، أتمنى أن لا ينشر هذا الكلام على الهواء “.
{ فهل يمكن الثقة مجدداً في من يعيش ويقتات على عدم صفاء النية وهوس فكرة المؤامرة وعُقد السجون ودهاليز العمل السري في الغُرف المظلمة ؟ وهل يُلذع المؤمن من الجحر مرتين } . يقول أحد المواطنين المعلقين في صحيفة المرصد على منشور فيديو مبادرة المشري .

سابقاً كان الإسلاميون من الإخوان وحلفائهم وبعض الأطراف في الرئاسي والنواب يتمسكون بالاستفتاء على مسودة الدستور لأن المادة 183 منها وهي بمثابة فخ من التي يحبها صوان ، تنُص على أن لا تجري الإنتخابات إلا بعد 240 يوم من نفاذ وإقرار قوانين الإنتخابات ما يتيح لهم البقاء في المشهد والسلطة أطول فترة ممكنة ، أما اليوم فلم يجد المشري حرجاً في إعلانها صراحة { نريد البقاء 14 شهراً أخرى ، ثم انتخبوا رئيسكم وبرلمانكم وخذوا فوق البيعة مجلس شيوخكم ، علّ الله يقضي بعدها أمراً في صناديق إنتخاباتكم التي لن تكون إلا خاوية على عروشها من جماعتنا وحزبها ومرشحيها } ، تقول كل إستطلاعات الرأي .
المرصد – خاص