كتب الكاتب و الباحث السياسي الليبي جبريل العبيدي مقالاً تحليلياً عن واقع التوقعات حول نشوب حرب فى محيط المرافق النفطية شرقي مدينة سرت و جاء فى مقال الكاتب الذى نشرته صحيفة الشرق الأوسط اللندية :
لعنة النفط قد تضعنا أمام عتبات حرب أهلية كبرى في ليبيا، بعد غياب الحكمة عند البعض، ومحاولة قرع طبولها منذ إطلاق سهام قرار المؤتمر (الوطني) لفك الحصار عن الموانئ النفطية بقوة الحشد «المناطقي» إلى اتفاق التسوية الذي قامت به حكومة الوفاق الوطني غير الدستورية مع حارس النفط المسمى «حرس المنشآت النفطية»، وهو جهاز يتبع المؤسسة الوطنية للنفط تحول إلى ميليشيا مسلحة تمردت على المؤسسة، وأصبحت لا تتبع غير آمرها.
سبق أن أصدر النائب العام مذكرات مطالبة باعتقال أفرادها لتمردهم على الحكومة الشرعية، وإغلاق الموانئ في الهلال النفطي، مما يشكل سابقة خطيرة في التعاطي مع ثروة وطنية تكاد تكون الوحيدة في ليبيا، وكما تقول الحقيقة الثابتة «لا أحد يحق له بيع ما لا يملكه»، ولهذا تعتبر تسوية فتح الموانئ مع ميليشيا أمام تصدير النفط، خطيئة كبرى وابتزازا سيشجع آخرين على إغلاق الحقول والموانئ مجددا للحصول على المال، كما أن ما قامت به حكومة الوفاق لا يخرج عن كونه مجرد فتح أنابيب الخزانات أمام السفن للتصدير المؤقت، فسرعان ما ينفد مخزونها، لكون الحقول في الصحراء لا تزال مغلقة أمام ضخ النفط لخزانات الموانئ.
و بذلك تبقى لعنة النفط، والرؤية القاصرة لليبيا على أنها مجرد بئر بترول، وليست وطنا نعيش فيه ونسكنه وننتمي إليه، وندافع عنه ونموت وندفن فيه، بل ويربطنا به تاريخ ودم وقربى ونسب ومصاهرة، وحين أعلنها الأجداد دولة فيدرالية اتحادية مستقلة، كانت ليبيا لم تعرف البترول بعد، فالحديث عن الوطن والنظر إليه على أنه مجرد برميل نفط ترفعه وتخفضه بورصة «أوبك»، أو التعامل مع الوطن كمحطة «ترانزيت» يتركه البعض لمجرد أن ينضب نفطه، أو ينطلق منه لرحلته القادمة، ممتطيا جواز سفره البديل، تاركا البلاد وأوجاعها لمن دفنت عظام أجدادهم فيه.
فالوطن أرض وتاريخ وانتماء، جميعنا شركاء فيه وفي ثرواته دون إقصاء أو تخوين، والحديث عن بيع النفط، والتصرف فيه من دون رقيب أو حسيب، كما تقتضي معايير النزاهة والشفافية، يعتبر خرقًا واضحًا وتبديدًا وإهدارًا للثروة الوطنية في اتجاه مجهول، وقد يتسبب في احتقان شعبي قد يسير في اتجاهات تهدد السلم الاجتماعي، في حين كان المفترض على «الدولة» التي تعرف سياسيا بأنها من يحتكر الاستخدام الشرعي للقوة في منطقة جغرافية ما، لا مكان فيها لميليشيات جهوية أو حزبية، على عكس ما نرى في ليبيا وغيرها من ميليشيات تنشر الخراب في كل مكان، موكول إليها تنفيذ أجندات خارجية ضد إرادة كل الليبيين.
الدولة عليها أن تمارس الشفافية والانفتاح والإنصاف والمحاسبة في التعامل مع هذه الثروة الوطنية، لا أن يباع النفط في غياب واضح لأي مقاييس وضوابط ومحددات، مما يجعل الشك والريبة موضع افتراض وتخمين البعض، بل وأحيانا موضع اتهام قد يستغل لتهديد السلم الاجتماعي بشكل أو آخر.
ولهذا نطالب الحكومة بمزيد من الشفافية، والتصرف كمسؤول في تعاملاتها مع ثروة الشعب، بقرار قد يدفع البلاد نحو حرب أهلية ويهدد سلمها الاجتماعي، متخذين من السلاح حلا، ومن حشد كتائب ذات تركيبة جهوية وسيلة لفك الحصار عن الموانئ النفطية بدلا من الحوار، العنصر المفقود في المعادلة، وذلك يعتبر بمثابة إعلان حرب أهلية أيا كانت مبرراتها وأسباب الحشد لها، ولكنها في النهاية ستنتهي بدماء وقتلى هم أبناء الوطن، وبعضهم كانوا ثوارا سابقين، وإن أخطأ بعضهم مسار المطالبة بحقوقه.
وإلى أن يصبح لدينا حكومة وطنية دستورية، فليبقَ النفط قابعا تحت الأرض أفضل من لعنة بيعه.
جبريل العبيدي