تقريران تحليليان: لا وجود لمبدأ اللامركزية في ليبيا ولا بد من تنقيح مشروع الدستور

ليبيا- سلط تقريران تحليليان نشرهما موقع “ريليف ويب” الدولي ومعهد “بروكنغز” الأميركي الضوء على سبل إحلال السلام في ليبيا عبر نظام الحكم الملائم لها.

التقريران اللذان تابعتهما وترجمتهما صحيفة المرصد جاء في أولهما أن مبدأ اللامركزية غير مكتمل في ليبيا، وبات يؤثر على وضع المواطن بالدرجة الأساس، رغم قيام المجلس الوطني الانتقالي بإدخال القانون رقم 59 لعام 2012 حيز التنفيذ، وهو المعني بهيكلية الإدارة المحلية.

وبين التقرير أن هذا القانون يمثل الإطار القانوني لمبدأ اللامركزية في ليبيا والحكم المحلي المؤسساتي، موضحًا أن هذا الإطار جعل المجالس البلدية والبلديات معنية بتقديم الخدمات، وبالتالي تطوير وصيانة البنية التحتية لها وسلامة وأمن مواطنيها.

وأضاف التقرير أن هذا الموضوع لم يتم؛ لأن المعني بتحصيل الضرائب والرسوم هو الإدارات المرتبطة بالوزارات المركزية المعنية فعليًا بتقديم هذه الخدمات، ما يجعل المجالس البلدية والبلديات تفتقر إلى الموارد اللازمة للاستجابة لحالات الطوارئ، أو تلك التي تتبع الأزمات في الوقت المناسب.

وبين التقرير أن الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية الصعبة تقوض فرصة هذه الكيانات الإدارية المحلية في توفير الخدمات والحكم المستقر، وهذا كله لا يصب في صالح تحقيق التماسك الاجتماعي للسكان، وهو ما يحتم على المنظمات الدولية العاملة في إطار الأمم المتحدة والتابعة للدول المساعدة لليبيا التدخل.

وأضاف التقرير أن هذا التدخل يكون في مجال إعادة تقييم الأمر برمته ورفع التوصيات اللازمة لمعالجته، فيما ينقل التقرير الثاني ما توصلت إليه دراسة حديثة للبنك الدولي، حول ضرورة إيلاء اهتمام أكبر لقضايا الحكم المحلي في منع النزاعات وتسويتها.

وأوضح التقرير الثاني أنه واستنادًا إلى التجارب المتعلقة بجهود التخفيف من حدة الصراع في 7 دول، تبرز مجموعة من العوامل التي تفسر نجاح أو فشل إصلاح الحكم المحلي في عمليات السلام، مبينًا أنه في كثير من الأحيان يتم تناول هذه القضايا الحرجة بعد فوات الأوان ومن دون تفاصيل كافية.

وأضاف التقرير أن مردَّ ذلك كون إصلاح الحكم المحلي أمرًا حساسًا ويسهل تسييسه ويصعب التنازل عنه، وهو ما يعني أن الفشل في معالجة هذه القضايا له تأثير كبير وسلبي على استدامة اتفاقيات السلام، فيما تشكل ليبيا حالة توضيحية، فالحوكمة المحلية تقع في قلب الصراع المستمر، وفقًا لما جاء في عدة دراسات.

وتطرق التقرير إلى المرحلة الحرجة التي دخلت فيها البلاد في إطار جهودها لحل الصراع الذي طال أمده، فقد شهد الـ19 من يناير الجاري توصل جانب من الأطراف المشاركة في ملتقى الحوار السياسي إلى اتفاق مبدئي، يقضي بضرورة طرح المشروع الدستوري الصادر في العام 2017 للاستفتاء الشعبي عليه.

وأضاف التقرير أن تمرير هذا المشروع الذي تم إقراره في يوليو من العام 2017 عبر الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المنتخبة في فبراير من العام 2014، يعني أنه سيكون الأساس القانوني الذي ستقام بموجبه الانتخابات التشريعية والرئاسية، التي ستجرى بالتزامن مع عيد الاستقلال في الـ24 من ديسمبر المقبل.

وتناول التقرير أهمية خطوة الاتفاق على أساس دستوري للانتخابات المقبلة لاستكمال الانتقال السياسي في ليبيا، التي تمثل جانبا رئيسًا في عملية بطيئة ومقسمة حتى الآن لوضع البلاد على طريق المصالحة والتعافي، إلا أن هذا الأمر لا يمنع حقيقة كون مشروع الدستور لعام 2017 يواجه عقبات.

وأشار التقرير إلى أن المشروع في شكله الحالي يفتقر إلى قبول واسع من جميع شرائح المجتمع، فضلًا عن كون قانون الاستفتاء عليه يستند على صيغة مفادها أن مشروع الدستور يجب أن يحظى بدعم الأغلبية في جميع الأقاليم الـ3 برقة وطرابلس وفزان، في وقت توجد فيه جماعات معارضة له في هذه الأقاليم.

وأضاف التقرير أن هذه المعارضة قد تقود في النهاية إلى رفض المشروع في حال الاستفتاء عليه، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى عرقلة العملية الانتقالية وتفاقم التوترات واندلاع العنف مجددًا وإن تم قبول مشروع الدستور؛ لأنه لن يوفر أساسًا مناسبًا لاستقرار طويل الأمد وسلام مستدام.

وأرجع التقرير كل هذا لوجود أوجه قصور خطيرة في ترتيبات الحكم المقترحة في المشروع، وهو ما يحتم على الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور النظر في جدوى إعادة فتح مسودته لإدخال عدد من التعديلات، فيما تمثل مركزية الترتيبات دون الوطنية في البلاد، في ظل الصراع الجاري عنصرًا حاسمًا يجب مراعاته.

وأضاف التقرير أن هذه الترتيبات الخاصة بالحكم معنية توزيع السلطة السياسية وموارد الدولة، إذ كان من المفترض أن يتم معالجة ترتيبات الحوكمة المحلية في وقت مبكر؛ لأن أي تسوية سياسية قابلة للتطبيق لا تبدو في الأفق من دون إحراز تقدم في هذا الجانب الحاسم.

وتحدث التقرير عن محاولة خاطئة لتعزيز التماسك الاجتماعي ابتعد من خلالها أصحاب المصلحة من الليبيين والوسطاء الدوليين مرارًا وتكرارًا عن معالجة القضايا الخلافية سياسيًا، وفشلوا في معالجة الحكم المحلي في الإعلان الدستوري لعام 2011 والاتفاق السياسي لعام 2015.

وبين التقرير أن مشروع الدستور يفتقر إلى العمق والتفاصيل الكافية حول الحكم المحلي، ويميل بشدة نحو نظام رئاسي قوي مع شكل ضعيف للغاية من اللامركزية، فضلًا عن غياب التفاصيل الأساسية حول عدد الوحدات دون الوطنية وإجراءات إنشائها.

وأضاف التقرير أن المشروع لم يظهر بوضوح توزيع الاختصاصات فيما بين هذه الوحدات، في ظل غياب الضمانات الدستورية لتحويل الإيرادات إلى وحدات الحكم دون الوطنية، مؤكدًا وجود فرصة الآن لإنشاء مؤسسات تعكس مصالح أصحاب المصلحة المتنوعين وتدعم نظامًا أكثر فاعلية للعلاقات بين الحكومات.

وأوضح التقرير أن كل هذا من شأنه أن يحافظ على دولة ليبية قابلة للحياة، فيما يدافع غرب البلاد وهو الأكثر اكتظاظًا بالسكان عن نظام مركزي قوي، بسبب المخاوف بشأن تفكك البلاد وما ينتج عن ذلك من فقدان السيطرة على الموارد الموجودة بشكل أساسي في الشرق والجنوب.

وأضاف التقرير أن أصحاب المصلحة الشرقيين يتخذون وجهة نظر مختلفة اختلافًا جذريًا، بحجة أن النظام الفيدرالي ضروري لضمان حصولهم على فرصة عادلة للمشاركة في ترتيبات الحكم في البلاد، واكتساب سيطرة أكبر على الموارد المحلية وتجنب هيمنة طرابلس في المستقبل.

وبين التقرير أن المجتمعات في الجنوب حيث تعيش معظم الأقليات في البلاد تنقسم حول هذه القضية، فبعضها حريص على تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي الإقليمي، ويدعو البعض الآخر إلى نظام لامركزي داخل دولة موحدة من شأنه أن يساهم في تحسين تقديم الخدمات المحلية.

وأضاف التقرير أن كل هذا يؤشر وجود آراء مختلفة بشكل كبير وفروق دقيقة مهمة، لما تعنيه الجهات الفاعلة المختلفة بكلمات الفيدرالية والاستقلالية واللامركزية، مبينًا أن وجهات النظر هذه حتى في تصويرها المبسط تشكل معايير إيجاد ترتيبات حوكمة محلية مستدامة.

وتناول التقرير مسألة الطريق الصعب والضروري في آن واحد، الذي يحتم صياغة حل وسط في إطار الترتيبات الواردة في مشروع الدستور وعلى طول أحد المسارين المحتملين دولة وحدوية ذات لامركزية قوية أو ترتيب فيدرالي ضعيف، مبينا أن المسار الأول يستلزم الإبقاء على الهيكل الحالي للوحدات دون الوطنية.

وأضاف التقرير أن هذا الهيكل هو للمحافظات أو المقاطعات بموجب أحكام قانون الحكم المحلي لعام 2012 والبلديات، وهو يضمن نظامًا قويًا للحكم اللامركزي، مع ضمانات دستورية لأهمية سياسية ومالية وإدارية في إطار الاختصاصات الممنوحة للمحافظات والحكومات المحلية.

وأكد التقرير أن هذه الضمانات تحتم استفادة المناطق المنتجة للنفط من حصة متناسبة من عائدات الموارد واستكمال ذلك بآليات تقاسم السلطة على المستوى المركزي، واعتماد سلطة تنفيذية شبه رئاسية وتمثيلية إقليمية وزيادة حصة ممثلي الشرق والجنوب في الغرفة التمثيلية بالهيئة التشريعية.

وأضاف التقرير أن هذا النموذج من الممكن أن يظهر نهج عاصمة الفرع الإقليمي، بوجود السلطة التنفيذية في طرابلس والسلطة التشريعية في بنغازي والقضائية في سبها؛ لأن هذه الترتيبات من شأنها أن توازن بين ميول الطرد المركزي ومقياس آليات الجاذبية المركزية.

وأوضح التقرير أن هذه الآليات من شأنها أن تبقي الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسة منخرطة في المركز، بينما تمنحهم مستويات الحكم الذاتي المرغوبة والتي يمكن التحكم فيها، فيما يعتمد المسار الثاني تشكيل ترتيب فيدرالي واضح، ضعيف يمنح الحكم الذاتي للأقاليم الـ3، ويستكمل ترتيبات تقاسم السلطة في المركز.

وأضاف التقرير أن هذا الترتيب قد يكون غير متماثل؛ حيث يتم نقل المزيد من الكفاءات إلى برقة، بالإضافة إلى أحكام ثقافية خاصة لاستيعاب التنوع في فزان، فيما سيظل مثل هذا النموذج بحاجة إلى تهدئة مخاوف أصحاب المصلحة في الغرب وإلى حد ما بعضًا منهم في الجنوب.

واستمر التقرير في التوضيح أن سبب هذه المخاوف هو امتلاك برقة لغالبية موارد البلاد، وهو ما قد يؤدي لانفصالها في النهاية، ويمكن أن يتم تهدئتها من خلال ما يسمى بند الخلود لوحدة ليبيا؛ ليكون الأمر مقبولًا من طرابلس، وهو ما يعني أن ترتيبات الحوكمة المحلية ستتطلب آليات واضحة ومحمية دستوريًا.

وأضاف التقرير أن هذه الآليات معنية بالتوحيد المركزي وإعادة التوزيع اللاحق لإيرادات الموارد بين المناطق، وإعطاء رأي أكبر لجميع الجهات الفاعلة في إدارة الموارد الطبيعية، مبينًا وجود حقيقة يجب أن يتم أخذها في عين الاعتبار في المسار الثاني، وهي إظهار الدراسات الاستقصائية لوجود معارضة للنظام الفيدرالي.

وأوضح التقرير أن غالبية الناس في الشرق يعارضون نموذج الحكم هذا، في وقت من الممكن فيه يمكن أن يتسبب عدم التناسق بحد ذاته في حدوث مشكلات، فقد رفض الليبيون تقليديًا نماذج الحكم غير المتكافئة؛ لأنها عززت تصورات وحقائق عدم المساواة.

وشدد التقرير على وجوب بناء كلا الترتيبين على الهياكل القائمة وخروجهما من الأطر القانونية السابقة، فعلى سبيل المثال كانت انتخابات المجالس البلدية ناجحة نسبيًا، ويجب الحفاظ على نظامها، وأن يأخذ أي إصلاح للحوكمة دون الوطنية في عين الاعتبار حقيقة أن العناصر الرئيسية للنزاع تتطور.

وأضاف التقرير أن هذا التطور هو حول القضايا على المستوى الإقليمي بدلًا من المستوى المحلي، ويجب أن يتجنب ترسيخ الانقسامات الإقليمية وإدامتها، وبدلًا من رسم خطوط إدارية على طول الحدود الخلافية للأقاليم الـ3 من الممكن أن تكون الدوائر الانتخابية الـ13 المعتمدة في الانتخابات التشريعية السابقة أساسًا لذلك.

وبين التقرير أن أي قرار بشأن ترتيبات الحوكمة المحلية قد يتم استكماله بشرط انقضاء الوقت، وهو ما سيسمح بدوره بانعكاس الظروف المتغيرة وتكييف موازين القوى المتغيرة في المستقبل، فيما يمثل ضيق الوقت واحدة من الصعوبات الأخرى التي يواجهها واضعو مشروع الدستور.

وأوضح التقرير أنه وبالنظر إلى مدى تباعد مواقف الأطراف المختلفة سيكون هنالك مرة أخرى إغراء لتجنب القرارات الصعبة مثل تلك المتعلقة بالحكم دون الوطني، ففي الماضي لم يتم تضمين قضايا الحوكمة المحلية المسيسة للغاية في المناقشات السياسية وبناء المؤسسات الرئيسية.

وأضاف التقرير أن هذه القضايا تم مناقشتها بشكل هامشي على المستوى الفني واستبعادها من الاتفاقيات الرئيسة، ما جعل هذا الإجماع الواضح في الإعلان الدستوري لعام 2011 والاتفاق السياسي لعام 2015 ممكنًا، مع ترك التفاصيل الفنية للتشريعات اللاحقة، مثل قانون الحكم المحلي لعام 2012.

وبين التقرير أن قانون الحكم المحلي لم يتم تنفيذه مطلقًا، ما يعني بالمجمل أن وصفة النجاح لا وجود لها، وهو ما يحتم على الليبيين وشركائهم الدوليين حشد الشجاعة الآن، لمعالجة القضايا الخلافية بطريقة بناءة ومنح الفرصة لمشروع دستوري منقح لجمع دعم واسع ليصبح أساس السلام الدائم والتنمية المستدامة.

ترجمة المرصد – خاص

Shares