ليبيا – نشر المجلس الاطلنطي ” الأطلسي ” للأبحاث و هو أحد أهم مراكز الشؤون الدولية البحثية فى واشنطن بالولايات المتحدة اليوم السبت تقرير رأي تحليلي حول ليبيا بمناسبة مرور عام على دخول رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وعدد آخر من المجلس و اعضاء الحكومة بحراً الى طرابلس بعد توقيع الاتفاق السياسي بوساطة الأمم المتحدة .
و قال التقرير الذى ترجمته و تابعته المرصد بأن خطوة وصول الرئاسي إلى قاعدة أبو ستة البحرية في طرابلس بعد أن عمل في تونس لمدة ثلاثة أشهر ، لاقت اشادة وسائل الإعلام الدولية والدبلوماسيين معتبرينها خطوة رئيسية نحو تحقيق الاستقرار في ليبيا لكن الحقيقة و الواقع أنها كانت خطوة بداية نهاية الرئاسي و حكومته .
و أضاف ” أدى الانتقال إلى طرابلس الذي شجعه الممثل الخاص للأمم المتحدة مارتن كوبلر، إلى وضع السراج تحت رحمة الميليشيات القوية هناك وهو الرجل الهادىء من منطقة حي الأندلس و الذى لا معرفة له بالتعامل مع الجماعات المسلحة ” .
و يضيف التقرير ان الأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية عقدت اجتماعات ووقعت اتفاقات مع السراج فى الوقت الذى تدهورت فيه حالة البلاد، ولا سيما في العاصمة بالتزامن مع رفض مجلس النواب المنتخب و المعترف به دوليا تأييد الرئاسي بعد ان انتقل إلى طبرق في الشرق لان “الميليشيات الإسلامية ” أجبرته سنة 2014 على الخروج من طرابلس.
وقبل أسابيع قليلة، تحول محيط خليج السدرة وطرابلس إلى ساحات قتال رئيسية مرة أخرى ، حيث يقاتل الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المارشال حفتر سرايا الدفاع عن بنغازي الذي يتزعمه الإسلاميون للسيطرة على أهم مرافق النفط في ليبيا، حيث رأس لانوف و السدرة ، وفقاً للتقرير .
و نوه الى أن الصورة في طرابلس تعد أكثر تعقيدا ، فمن الناحية النظرية، هناك طرفان الاول هو تكتل الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق اما الاخر فهو تكتل المليشيات المؤيدة للمؤتمر العام و حكومة الإنقاذ الإسلامية برئاسة خليفة الغويل ، و ذلك بحسب تعبيره.
و أضاف بأن الواقع على الأرض مختلف جدا ، قائلاً أن جميع الميليشيات تهتم أولا وقبل كل شيء بالحفاظ على سلطتها ونفوذها بما فيها تلك الموالية للسراج التى تواليه لأنها تعتبره أداة مفيدة و تابع : ” عندما اندلع القتال فى طرابلس جميع قادة الميليشيات المهمين الموالين لحكومة الوفاق رفضوا وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أعضاء الرئاسي الامر الذى يبين مدى سرعة تغيير الميليشيات لولائاتها و مواقفها ” .
و قال ” فى الواقع السراج وحكومته عاجزون بين كتل الميليشيات القوية وبالتالي لا إمكانية حقيقية لهم للتأثير على التطورات فى أرض الواقع ، فهم محكوم عليهم بالفشل حالهم حال مهمة بعثة الامم المتحدة للدعم فى ليبيا “.
وعلى الرغم من أن أهم المنظمات الاقتصادية في ليبيا ممثلة فى مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار تعترف بحكومة الوفاق، إلا أن السراج لم يتمكن من حل الصعوبات الاقتصادية فى البلاد ، فالأزمة النقدية و شح السيولة لا تزال تزداد سوءا مع انقطاع التيار الكهربائي المتكرر ، بحسب ذات التقرير .
و نوه التقرير بأن ارتفاع حجم دعم الوقود والمواد الغذائية الأساسية يشكل كذلك عبئا على الميزانية إضافة لمشكلة التهريب التى قال أنها تكلف الدولة مئات الملايين من الدولارات سنويا فى الوقت الذى لا يزال فيه المصرف المركزي يمول الثوار المقاتلين و الادارات المتنافسة شرقاً و غرباً حتى تفشى الفساد و أصبح خارج نطاق السيطرة مؤكداً أن كل هذه المشاكل ستؤدى فى النهاية إلى تبخر الاحتياطيات النقدية للبلاد.
أما على الجانب الأمني، يقول التقرير ان السراج يفتقر إلى النفوذ على الجهاديين في بنغازي ودرنة و على ميليشيات مصراتة، و سرايا الدفاع عن بنغازي مذكراً بأن اتفاق اللاجئين الذى وقع عليه مؤخراً بين رئيس الوزراء الايطالى و السراج هو مجرد حبر على ورق و ذلك لعدم امتلاك الرئاسي و حكومته اية وسائل لتطبيقه.
و أضاف ” بعد القتال العنيف الذي اندلع مؤخرا في طرابلس، والاحتجاجات العدائية ضد مصراتة، والهجمات العنيفة ضد مواطنيها في طرابلس، علق مجلسها البلدي اتصالاته مع الرئاسي لشعوره بأن مواطنيه ومؤسساته كانوا مستهدفين بسبب القتال ضد ميليشيات مصراتة فى طرابلس و قال ” قبل ذلك، كانت مصراتة من بين أقوى مؤيدي الرئاسي و شاركت فى توفير حماية له ، ولكن مجلسها يناقش الان ما إذا كان سيواصل هذا الدعم ” .
و تابع ” على الرغم من أنه من السهل إلقاء اللوم على مجلس النواب لعدم منحه الثقة للحكومة، فإنه ليس لديه سبب حقيقي للقيام بذلك ، فهو ليس مستعداً لقبول حكومة لا تستطيع التصرف بشكل مستقل عن العصابات المسلحة في طرابلس ، و مع افتراض ان المجلس و حفتر سيؤيدان الرئاسي فأن الاخير يركز على البقاء بين الميليشيات في العاصمة وهو الذي لا يمكن لمجلس النواب و حفتر قبوله بالمطلق و بالتالي فأن لا فائدة كبيرة لاقناعهم بذلك ” .
و أكد الاطلنطي أن كل هذا يعني بأن تجربة مارتن كوبلر الرئاسي و السراج و حكومته على وشك الفشل ومعها سمعة البلدان التي دعمت هذه المجموعات و أضاف بأن إعادة الاستقرار في ليبيا واستعادة المصداقية الدولية، يتعين على الدولة القوية أن تأخذ زمام المبادرة في تنظيم أصحاب المصلحة لتنفيذ الخطط المتفق عليها في المستقبل وفى هذه الحالة ، الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على القيام بذلك ، و فقاً لذات التقرير .
و أشار الى إن وقف إطلاق النار الفوري والشامل – باستثناء مكافحة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة و داعش يحتاج إلى توسط وإشراف من الخارج و ان لدول جوار ليبيا دور هام في هذه العملية حيث يتعين عليهم ممارسة نفوذهم على المتصارعين فى الداخل لجعلهم يتعاونون .
و أضاف ” لا تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع قواتها على الأرض فى ليبيا ولكنها تحتاج إلى جمع أصحاب المصلحة من أجل إنشاء قوة مراقبة محايدة يمكنها إنفاذ وقف إطلاق النار براً و جواً وإلا فأن القتال سينتشر مرة أخرى ” .
و عبر كاتب التقرير عن اعتقاده بأن وقف إطلاق النار، يمكن أن ينقل ليبيا إلى مرحلة انتقالية ، و لكن من السابق لأوانه إيجاد آليات لتحقيق المصالحة على نطاق كل البلاد و أن ما ينبغي هو ارتكاز هذه المرحلة على إحلال السلام في أقاليم ليبيا التاريخية الثلاثة .
و قال ” فى هذه الفترة الفترة الانتقالية يمكن تفعيل صيغة معدلة من دستور ليبيا لعام 1963 لا سيما و أنه من الناحية القانونية ما زال قائما مع تعديله لضمان توزيع الثروة النفطية بين المناطق مع إمكانية استخدام بعض أحكام دستور عام 1951، مثل المادة 36 المتعلقة بسلطات الحكومة المركزية والمادة 39 بشأن السلطات المحلية ” .
و نوه التقرير على أنه فى هذه الحالة لا يمكن أن يكون موقع الحكومة فى طرابلس على الرغم من أنها العاصمة لأنه لا جدوى من وضع الحكومة تحت رحمة الميليشيات و بالتالي يمكن لقوة حماية دولية تأمين منطقة آمنة إلى أن تتوفر للحكومة الجديدة قوات كافية تساعدها على بسط نفوذها.
كما يتطلب تحقيق الاستقرار أيضا وفق الاطلنطي انتعاشا اقتصاديا وبالنسبة للیبیا ، یعني ھذا الإنتاج والإنتاج بلا عوائق للنفط و مشتقاته حتى يشهد اللیبیین التقدم الاقتصادي ببلادهم ، و أضاف ” بالفعل هناك برامج إنمائية دولية صغيرة النطاق تدعم الحكم المحلي وتنمية المجتمع المدني، ومع وقف إطلاق النار، يمكن توسيع نطاق هذه البرامج التى حققت فى السابق نجاحا محدودا في ليبيا بالوصول الى حكومة مركزية لكنها فى فشلت فى المدن الكبرى بسبب وجود المليشيات و من بين تلك البرامج التي عملت على الانتخابات و الدستور التى فشلت بشكل كبير الا انها يجب ان تستمر حتى تحقيق مستوى معين من الاستقرار ، وفق ذات التقرير .
و ختم التقرير بأن ليبيا حالياً تعيش في دوامة و أن أي اتفاق سياسي ما لم يقم المجتمع الدولي بإنفاذه لن ينجح ، ولكن المجتمع الدولي لن يتخذ هذه الخطوات ما لم تتخذ الولايات المتحدة الخطوات اللازمة لقيادة هذه الجهود .
المصدر : مُدونة الاراء و الكُتاب بالمجلس الاطلنطي للدراسات و الابحاث
الترجمة : خاص – المرصد